تخيلت الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز يجلس على سطح منزله الآن ينظر نظرة في النجوم ثم يرجع البصر كرتين ويمسك بهاتفه ويكتب في خاطرة عفوية متناثرة الحروف لكنها توثق جزءا من لحظات التاريخ القريب :
إيه .. يا سكان هذه الصحراء ما أغدركم بل ما أغدر الدنيا كلها !! أحقا كانت تخبئ لي الأيام هذا الواقع المر، واقع يحولني من رئيس قوي مهاب إلى متهم منسي على صفحات قلة وكتابات خجولة من مجاهيل المدونين حتى الصحافة الصفراء صارت تضن علي بعنوان خبر كان مثيرا وشيقا لقرائها "استدعاء الرئيس محمد ولد عبد العزيز للمرة الثالثة (التفاصيل).." .. ما خطبك أيتها البلاد ؟ هل أعيش مع الشعب الذي كان يطالبني قبل عام ونيف بمأمورية ثالثة؟ أين ذلك السياسي الذي وصفني بأنني أطعم من جوع وآمن من خوف؟ أين أنت أيها الخيل ولد الطيب وأين الداه صهيب النائب الخطيب ذو الكلام المسجوع وأين الوزير محمد الامين ولد الشيخ صاحب أحلام الظهيرة ؟ وأين هي مبادرات وجهاء اترارزه ووجهاء الحوضين ووجهاء آدرار وتيرس؟ أين أنت يا مختار ولد اجاي وابراهيم ولد داداه وطارق ولد نوح وأسماء ما زلت اذكرها وهي كانت تذكرني وتشكرني ذات أيام خوالي!! هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا؟ .. لله ما أغدركم جميعا..!!
حقا ما زلت أشك هل أنا الذي أعيش أحلام الظهيرة !! ما زلت أشك هل هذه هي موريتانيا التي صفّقت ذات مهرجان ولاتي حاشد للشاعر الدوه ولد بنيوك وهو ينادي ويقسم باسم الجميع "والله ما نرخوه إلى يوم ينادي المنادي.." ..
اقف أمامكم وحيدا في أيام تاريخية تكتشف فيها أن الأصدقاء قلة فعلا، فأنا الذي أواجه الشرطة وحيدا .. في الغدو والعشي أروح إلى النيابة وحيدا .. حتى أنت يا إسلكو ولد أحمد إزيد بيه ونفرُك الثلاثة أصبحتم متحفظين جدا ..!!
ايتها الزمرة المنافقة الآن والآن فقط بدأت أتذكر أناشيدكم لمعاوية "وامعاك ذ الشعب ابكدُّو .. محالْ يتغيَرْ عهدو" يا جماهير النفاق والشقاق اليوم عرفتكم متأخرا عرفت أن أرضكم يعدم فيها الوفاء وتموت المروءة، ويقتل فيها الكرم الحاتمي مرات..
أيتها الجماهير التي استقبلتني بآلافِ الآلاف عشية عودتي من فرنسا في رحلة استشفائية أين هي خطاباتكم المؤيدة والمناصرة.. يا أيها الوطن الغالي .. ويا أيها التاريخ القريب أخاطبك وأنت من سجلت في صفحاتك أنني أول رئيس موريتاني بنى جيشا يوازي جيوش الدول الكبرى .. أنا الذي طاردت الإرهاب في عقر داره وجعلت من موريتانيا دولة مهابة إقليميا ودوليا .. من يتذكر أنني من بنى مطارا لموريتانيا بعد أن كانت تستقبل ضيوفها في عريش من عهد الغابرين.. أنا محمد ولد عبد العزيز الرجل الذي يهابه الرجال كل الرجال أيام كان في الكرسي المتحرك، أنا الذي ارتجفت رؤوس وارتدعت فرائصُ من ضربي للطاولة ، أنا الذي كان العُقداء في الجيش يخشى عليهم من الموت من نظرة ثاقبة مني في وجوههم..
أعود هنا لأتذكر صديقي الشيخ ولد بايه الرجل الذي بذلت الغالي والنفيس حتى يصعد إلى رئاسة البرلمان ايام كنا نلاحق أرانب تيرس .. هل تذكر جيدا ذلك التاريخ أيها الشيخ ..؟
أما أنت أيها الصديق الأصلع ماذا أقول لك !! وكأن الدنيا لم تجمعنا أربعة عقود متتالية وجهان لعملة واحدة، أنا صديقك الذي قذفت بي صروف النوى لا أجد منك نصرة ولا تعاطفا، أنت أيها الصديق الغادر مثل دهرك الغادر ومثل بطانتك الغادرة تعلم أنك لو تدخلت ولو بأمر بسيط لما بلغت هذا المبلغ ولما حولتني هذه الدنيا من رجل تخر له الجبابر ساجدينا إلى مواطن تراقب كل حركاته وسكناته لا يستطيع أن يخرج من ولاية وطن واحد .. أنت أيها الصديق وأنت فقط من كنت أنتظر أن يكون آخر الأوفياء وأن تعطي درسا لبلاد ماتت فيها النخوة فلا هي تعرف كرما حاتميا ولا مروءة جاهلية، أنت أيها الرئيس ما عدت تذكر صديقا لك اسمه محمد ولد عبد العزيز، تذكر جيدا معي أحاديثهم المعسولة لك ولبرنامجك "تعهداتي" .. أناشد الله لا تثق في أحد من هذه الزمرة..
ردد معي أبيات ابن عباد :
من بات بعدك في ملكٍ يسـرّ بـه ,, أو بات يهنـأ باللـذات مسـرورا
ولم تعظه عوادي الدهر إذ وقعـت ,, فإنما بات فـي الأحـلام مغـرورا
إلهي .. ماذا دهاني .. أملي أن يكون هذا الواقع مجرد أضغاث أحلام وأستيقظ على الحياة كما هي وأرى الدنيا خالية من الغدر والخيانة، أرى فيه الأصدقاء.. لقد طال هذا الليل المدلهم حقا وطالت كوابيسه المرعبة..
مختار بابتاح