المنهج التجديدي للإمام : بدّاه، مُعرِّضٌ بما دأبَ عليه ولد الشاه

جمعة, 02/05/2021 - 05:39

 

بعدما أكمل  البدر المنير والعالم النحرير بداه بن البوصير تعليمَه المحظري، ونهل من بحور الفطاحلة الأحبار ، من شتى علماء شنقيط الانقياء الأقمار.. حطّ الرحال بالعاصمة نواكشوط، إبان نشوئها، وعلى فترة من الدعوة الإصلاحية والتجديد الإيجابي ذي الثمار اليانعة والنتائج الناجعة.
فقضّى حياته مقبلا إلى الله غير مدبِر، معلّما ومربيا ومصلِحا وناصحا ومؤدّبا، فدانت له الرقاب بغير سطوة ولا كبير عِتاب، فأقام الله به الحق ورفع به لواء الدين القيم والدعوة الناصعة.
وبما أن مزايا الشيخ بداه أنهار جارية يصعب لفّ مياهها في عين مَعينة أو آبار ناضبة..فسينصب اهتمامنا هنا إلى مظاهر التجديد لدى الشيخ من خلال تواليفه النافعة الماتعة.
 لقد وجد الإمام بداه الساحةَ الشنقيطية يومئذ تحمل من التقليد حمالة تنوء بالكواهل..، وتعكف على المذهب المالكي عكوف بقرات الوحش على إلدَتها الصغار، وهو أمر طبعي لمن عرفوا مذهبا معرفة الأمهات بأحوال بنيهم، وسبَروا مغاويرَه سبر الأطباء الخبراء، فكان من حكمة الإمام بداه أن وازَن بين الحقيقة والواقع، فأعلن دعوته إلى الكتاب والسنة فقها وعملا ، وشرع في رد الفروع إلى أصولها ونقاش الأدلة مع بعضها،  متطلعا إلى مواطن الضعف في مكامن الاستدلال، فينبه عليها طلابَه ومريديه تبيه الحاذق الكيس والطبيب المتمرس.
_ فكان كتابه : منح الجليل فيما عارض المختصر من الدليل، فاتحة تنقيح وباكورة تقويم وتصحيح .
_ثم جاء كتابه : القول المفيد في ذمّ فادح الاتباع وفادح التقليد ، فسلك فيه منهجا سنيا وسطيا مقنعا لكل راغب في الحق أو سالك سُبلَ الهدى والرشاد. 
_كما كتب نظمه الشهير : الحجر الأساس لمن أراد شرعة خير الناس ، فدعا فيه إلى امتطاء المحجة البيضاء مع الاحتفاظ بدرر الأيمة والعلماء، إذ لا محيص من تعلمها، واستجلاب منافعها من ثناياها وغضونها، وفي هذا النظم يقول: 
وإنني أدعو إلى الذي دعا  ** له الأمين وبه قد صدَعا
ولم أزهّد أحدا في الرأيِ ** إلا إذا نأى أشدَّ النأيِ
والجاهلون لم أقل يستنبطون ** بل يسألون العلما ويغبِطون
إلى أن يقول :
حاصل ذا أنّ خليلا إن أتىَ ** أُقرِئه أدعو له كلّ فتى
ومثل ذاك سنة المختارِ  ** مهما أتت أقرِئها للقاريِ
مع حثّه على تعلم لها     ** من أجل أنّ كلَّ ندب ملّها
فإن يكن خليل وِفقَها فلا * ضيرَ إذن نور على نور علا
وإن يكن فيه الخطا بينتُ * خطأه بآية أوضحتُ..
هكذا كانت طريقة الإمام بداه في نقد كتب العلماء الأعلام بكل أدب ووقار واحترام، يقول د. الشيخ : محمد الأمين بن مزيد، معلقا على هذا النظم في مقال له نُشِر في مجلة المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية بتاريخ 2015 (العدد الخامس ) 
"تلك هي دعوة الإمام بداه ، دعوة عادلة إلى الكتاب والسنة، لا تظلم الفروع ولا تبخس الفقهاء ، إنما هي تجديد يتضمن إحياء فقه ابن عبد البر وابن العربي وابن رشد والقاضي عياض والقرطبي والقرافي وغيرهم، كما تتضمن إحياء فقه أعيان علماء شنقيط الذين يقول الإمام بداه نفسُه فيهم :
ثم الجمود عنه قد نهاكم ** محمد اليدالي ما ألهاكم
ونجل متّال بدا من قوله ** هذا المقال ، وبدا من فعله
وهو ما هو ، هو العجاج  ** بحر الهدى ووبله الثجّاج
والشيخ ما العيون ثم المامي * نهاكمُ ، وهوَ شيخ سامي
شيخ الشيوخ شيخنا الكنتيّ * وبابَ باب هديه المرضيّ
وغيرهم من عُلما زمانكم  ** توبوا إلى بارئكم من آنكم 
لا تزجروا عن سنة المختار * مُحييَها ابتغاء وجه الباريِ " انتهى محل الغرض منه.
هذا ، ولم يكتف شيخنا المجدد الإمام بداه بهذا القدر ولم يتوقف جهده عند هذا الحد، فلقد كان كتابه المجيد وعقده الفريد : أسنى المسالك في أن من عمل بالراجح ما خرج عن مذهب الإمام مالك، كتابا فيصلا في هذا المضمار ، قاطعا للنزاع ورافعا للحقيقة والإبداع، بدون إساءة أو تعريض أو مساس من جناب الأجلاء أو حط من قدر الكبار والأصفياء.
وهو ما جعل عامة معاصريه يتوافَون إلى تقريظه وتحبيره، ولم يكن ذاك حالهم مع هذا الكتاب الأسنى فحسب، بل لاقت كتب الشيخ جميعُها القبول من طرف القِمة كما القاعدة.
وإنه لحري بمن يهوى ويرغب في تصحيح المفاهيم وتقويم اعوجاج الأساطين الخرطيم أن يسلك نهج العلامة المجدد الإمام: بداه البوصيري ، هذا إن كان يبغي ثواب الدعوة وإصابة الكلمة وإقامة الحجة، والله الموفق.

من رامَ شُهدا فإن النحلَ مصدرُه  ** ومن بغى السمَّ فليطلب له الرَّقَطا.

بقلم : محمد يرب بادي/ سيداحمد لّحمد، إمام جامع أبي بكر الصديق _عين الطلح_نواكشوط