المركز المصري..رافد العطاء العلمي 57 عاما / الولي سيدي هيبه

اثنين, 02/15/2021 - 18:57

 

وسط اهتمام بالغ ظل الموريتانيون والمصريون يحيون ذكرى عزيزة على القلوب، ففي مثل هذه الأيام من العام 1964 افتتحت جمهورية مصر العربية أول مركز ثقافي في العاصمة الموريتانية ولعب الصرح الثقافي دورا بارزا في دعم الموريتانيين على استعادة الهوية.

وموريتانيا بقيادة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ومصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي تقدمان اليوم أروع مثال للتعاون الثقافي من خلال احترام متبادل وجهود كبيرة للتواصل.

موريتانيا التي دعمها الجانب المصري وهي تتشبث بانتمائها إلى محيطها العربي الطبيعي في أيام استقلالها الأولى في مطلع ستينات القرن الماضي، وإحياء اللغة العربية "الأم" فيها من خلال توجيه دمجها في التعليم كخيار وواجب وطنيين إلى جانب لغة المستعمر المهيمنة آنذاك، لن يوفي مطلقا ذلك الفضل إلا بأن يظل الموريتانيون ممتنين للجمهورية العربية المصرية الشقيقة وشخص الزعيم الراحل جمال عبد الناصر الذي أمر إثر لقاء جمعه مع الرئيس الراحل الأستاذ المختار داداه الأب المؤسس للجمهورية بعيد الاستقلال بإنشاء مركز عربي مصري في العاصمة الوليدة نواكشوط، رأى النور في بناية عتيقة تقع على أكبر شوارع العاصمة دعي يومها شارع "جمال عبد الناصر"، لإبراز الهوية وفتح قنوات التبادل العلمي والثقافي والفني مع مصر الرائدة وكافة الدول العربية على أساس التعليم الحديث والمناهج الجديدة التي تلائم العصر.

 و منذ تلك اللحظة التاريخية الخالدة لم يتوقف في حيويته نبض المركز العربي المصري عن الأداء دافقا كجريان "نيل" مصر الجاري، يؤدي الرسالة العلمية والتاريخية بأمانة وإخلاص واقتدار حاملا للبلد الشقيق في كل حقبة مزاياها وإشعاعها.

ولا شك أن هذه الرسالة العلمية والثقافية المتعددة الجوانب والأوجه بامتياز خلال الأيام الأولى للنشأة تأسيس "نواة" أول مسرح وطني موريتاني كون لتفتقها فرقة على فنونه في تزامن بديع مع تقديم عروض سينمائية انتزعت قصب السبق والاهتمام من جميع المراكز التي كانت تتنافي على أرضية البلد الثقافية البكر.

كما ساهم المركز الثقافي المصري في خلق حركة "شعرية" معاصرة شهدت عبور أجيال من الشباب إلى دائرة نضج العطاء ليصبحوا فيما بعد رواد الحركة الشعرية والأدبية والنقدية الحديثة وكتاب الرواية والقصة والمسرح، وباتوا المسرحيين و السينمائيين الكبار والباحثين والأساتذة الذي تخرجوا فيما بعد في الجامعات و المعاهد المصرية العالية.

ومعلوم أيضا أن المركز هذا الدور إلى التعليم فافتتح منذ أول وهلة وعند النشأة فصولا لتعليم الكبار، والخط العربي، إلى جانب مكتبة كبيرة زاخرة بكل أنواع الكتب العلمية والأدبية والدينية نهل منها ثلاثة أجيال، أطفالا ويافعين وكبارا، تعاقبت حتى كان منهم دكاترة تخرجوا فيما بعد في الجامعات والمعاهد المصرية وغيرها من البلدان العربية، وكتاب وصحفيون ومهندسون يشكلون اليوم إحدى أهم الجمعيات الطلابية والمهنية والعلمية المتخرجة من عديد الدول.

و على مر السنين واصل المركز الثقافي المصري الذي أصبح لاحقا مركز مصر للعلاقات الثقافية والتعليمية بموريتانيا عطاءه وظل قلعة صامدة شامخة للعطاء العلمي والثقافي ويستقطب الكثير من الطلاب والباحثين للنهل من المعارف وإعداد البحوث الرصينة بمحتوياتها، كل ذلك إلى جانب استمراره في تنظيم الندوات الفكرية والتظاهرات العلمية والثقافية والدورات التكوينية والتدريبية. كما لم يغفل المركز المصري منذ نشأته أهمية الإعلام فكان سباقا إلى تكوين نواته الأولى التي نهلت من الصحف المصرية العريقة كالأهرام والجمهورية وروز اليوسف، ومن تجربة مصر الإذاعية الفريدة في الأمة العربية في كواليس إذاعة صوت العرب.

وجدير بالذكر والتنويه أن الفترتين، اللتين تولى فيهما إدارة المركز الأستاذ الجليل والمثقف الكبير الدكتور أشرف العزازي، كانتا أهم الفترات حيث بلغ خلالهما المركز "أوج عطائه" وانتظمت بشكل غير مسبوق الدورات التكوينية في كل الاختصاصات والندوات الفكرية الفريدة والعلمية الرفيعة المستوى وارتفعت وتيرة التبادل المنقطع النظير والمشاركة في اللقاءات والندوات عبر البعثات المتبادلة في شتى المجالات و التظاهرات الحمالة والمحاضرات والمؤتمرات الفكرية والعلمية والبحثية والمعارض.

ويدرك الكثيرون الحكمة وبعد النظر وراء اختيار وزير التعليم العالي والبحث العلمي المصري، للأستاذ الدكتور أشرف محمد العزازي، لمنصب رئيس قطاع الشئون الثقافية والبعثات بوزارة التعليم العالي وهو الذي عمل من خلال توليه لمنصب المستشار الثقافي في نواكشوط على تذليل كثير من العقبات وأدخل الكثير من البرامج التي تيسر على الطلاب والباحثين الاستفادة من المكتبة العريقة في المركز وقد أشرف بنفسه على نشاطات تعليمية استثنائية وأرسى طفرة ثقافية غير مسبوقة، من خلال تنظيم ندوات ثقافية وصولًا إلى طرح وتقديم العديد من المبادرات الثقافية والفكرية والتعليمية التي ساعدت على تعزيز وتعميق التعاون بين مصر وموريتانيا.