“اثنتان” لا أذوب فيهما حبا، هما “المكرونه” والشرطة..
عدم غرامي بالمكرونة يعود إلى ثلاث سنوات دراسية كنت خلالها من سكان القسم الداخلي بالثانوية الوطنية بنواكشوط، وكانت “المعكرونة ” عشاءنا الدائم…
كنا في “الانترنا” نأكل هذه المادة مغموسة في الكثير من زيت الطهي (دلوير)..
أما تدني مستوى العشق للشرطة لدي فسببه إكرامها الزائد للضيوف عاثري الحظوظ، وكنت من بين هؤلاء في مناسبات مختلفة أطولها مدة وأكثرها إكراما وإيلاما تلك التي وقعت في العام 1984.
في تجربتي مع “المكرونة” عرفت أردأ أنواع زيت الطهي والطماطم المعلبة و”المحور” (بالحسانية).. وكرهتها إلى يوم البعث…
أما الحبيبة الشرطة فقد عرفت أيامها طعم دم الانسان ينزف من فمه.. عرفت عن قرب لون الدم “الرخيص” يتبرأ من جسد تلسعه السياط وأسلاك الكهرباء وأحذية الشرطيين و “لعبة” “الجاكوار”..
عرفت أن الانسان يستطيع قتل الانسان بدم بارد…
كرهت هذه “السيدة” فترة طويلة.. وكرهت بسببها أيضا كلمات تربط بها أحيانا مثل “الوطني” و”الأمن”..
خلال الايام التي “وقعت” فيها ضيفا على الشرطة، كانت الاذاعة والتلفزيون وجريدة الشعب والوكالة الموريتانية للصحافة تصفني والضيوف الآخرين بالمجرمين…
أما الآن ولم يعد أكل “المكرونة” ضروريا، كما لم يعد ضروريا اختلاق مجرمين، حيث أن المواد الغذائية الآن أكثر وأكثر تنوعا، وحيث أن المجرمين الحقيقيين يقتلون الناس ليلا ونهارا ويسلبونهم ممتلكاتهم، فإنه أصبح ممكنا أن يحب هذا الشعب وأنا على رأسه شرطته الوطنية و”مكرونته” المستوردة وتلك المحلية، بشرط واحد هو تفرغ رجال الأمن لمحاصرة المجرمين الحقيقيين الذين ينشرون الرعب في نواكشوط ومدن أخرى..
وللشرطة أن تستخدم “المكرونة” وسيلة للقضاء على الاجرام وذلك بجعلها معاشا لشرطة التحصيل، وللمجرمين أنفسهم فلن يمر وقت حتى يصاب الكل ب”آزعاف” ( مرحلة خطيرة من فقدان الشهية) وتصلح شؤون البلد…