يعتبر موسم الكيطنة من أهم المواسم السياحية في ولاية آدرار، لما يحمله من معان ثقافية وفلكلورية تمجد التراث والأصالة ضمن منظومة العادات والتقاليد، وما يدور في فلكها من ارتسامات ومضامين إبداعية تحكي قصة الإنسان الآدراري ومسارات تكيفه وقهره للطبيعة في أبهى تجلياتها وأشدها تعلقا بالجمال النابض من جنات النخيل التي تسكن وديان المنطقة وسفوح جبالها كعنوان للصمود والمقاومة أمام كل التحديات، رفدا للتنمية الاقتصادية وتحقيقا لمتطلبات العيش الكريم.
لقد عرفت الولاية منذ قديم الزمان بكثرة واحاتها ووفرة منتوجها من التمور، حيث يعد موسم الكيطنة من أجمل مواسم الولاية رغم ارتفاع درجات الحرارة المصاحبة، إذ يتوافد في هذه الفترة عدد كبير من أبناء الولاية والضيوف الراغبين في الاستمتاع بالمناظر الطبيعية الخلابة بغية الاستفادة مما تحتوي عليه هذه الواحات من خصائص فريدة.
يتغير نمط حياة السكان خلال هذا الموسم بشكل كلي، حيث يخرج سكان المدن إلى الأودية قاصدين الواحات لقضاء فترة نقاهة تحت ظلال النخيل، يقطفون الثمار ويسبحون في أحواض المياه، ويتمتعون بشلالات الماء المتدفقة طيلة أيام السنة في بعض الأماكن، ويمارسون الألعاب التقليدية بكل أنواعها، وهم يستمتعون بموروث تقليدي حافل بالأنشطة الثقافية، مثل سهرة (جركان)، التي تمثل هوية سكان الشمال، بالإضافة إلى تنظيم الأمسيات الاجتماعية والترفيهية وإحياء الليالي المديحية في جو من الفرح والسرور تغذيه روح الدعابة والبساطة عند عموم أهالي الواحات.
ويعتمد نطام الكيطانه على أسلوب غذائي خاض يتمحور أساسا حول استعمال البلح والتمر والرطب لدفعات متفاوتة على مدار اليوم بمعدل ثلاث مرات على الأقل مع احتساء مرق اللحم وشرب النشاء، مما يساعد في اكتساب فوائد صحية عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر معالجة مشاكل الهضم وأمراض البلغم وتقوية مناعة الجسم
وتعمل وزارة الزراعة على تنمية الواحات في الولاية من خلال تنفيذ العديد من البرامج الفعالة، من بينها برنامج التنمية المستديمة للواحات، الذي يعمل وفق منسقه السيد الشيخ ولد محمد المصطفى على مساعدة سكان الواحات بكل ما من شأنه أن يساهم في تحسين إنتاجهم من التمور.
وقد أكد المنسق في لقاء مع الوكالة الموريتانية للأنباء أن ولاية آدرار تحتضن أكثر من (75) واحة على مساحة (5673) هكتارا، وأن عدد النخيل يقدر بأكثر من مليون ومائتي ألف نخلة، أي نسبة (45)% من الإنتاح على المستوى الوطني، بالإضافة إلى أكثر من (50) ألف نخلة مغروسة من جديد في مزارع نموذجية جديدة.
وأضاف أن عدد النخيل المنتج الآن بلغ (846) ألف و(475) نخلة أي نسبة (71)% من نخيل الولاية، مبينا أن متوسط إنتاج النخلة الواحدة المعاملة انتقل من (15) كيلوغراما إلى (60) كيلوغراما، أي (27) طنا من التمور سنويا.
وأكد أنه تم حفر (46) بئرا ارتوازية في عموم الولاية مجهزة بالطاقة الشمسية وشبكات الري لتزويد الواحات والوديان بالمياه للرفع من مستوى الإنتاج، إضافة إلى تزويد أكثر من (300) وحدة ري على الروابط التشاركية للواحات، وتهيئة أكثر من (36) رابطة تشاركية وتمويل (24) مؤسسة بالقروض المسيرة عن قرب.
وأوضح منسق البرنامج أنه قام بإنجاز (28) حقلا نموذجيا من بينها حقل تيارت الذي يحتوي على (14400) نخلة، على مساحة (100) هكتار.
وبين سيدي ولد تاشفين، وهو بائع تمور بأطار، أن موسم الكيطنة قد بدأ منذ أسابيع، حيث تستقبل المقاطعة أسبوعيا ما يناهز (300) كلغ من التمور، تباع للتجار بأسعار متفاوتة تصل حدود (2600) أوقية قديمة للكلغ الواحد من شكلية الحمر الدرجة الأولى، في حين تباع الدرجة الثانية من الحمر عند الميزان ب (1500) أوقية قديمة.
وأضاف أن سعر التمور مازال مرتفعا نظرا لقلته في السوق، بحيث يباع الكيلوغرام الواحد ب (2700) أوقية قديمة بالنسبة للعينة الجيدة في الكمية، في حين يباع في السوق ب(2800) أوقية قديمة بالنسبة للسقط.
وأكد أن يوم (20) من الشهر السادس هو البعد الزمني الذي يشكل الانطلاقة الفعلية لموسم الكيطنة، حيث يستقبل السوق كميات كبيرة من التمور من مختلف الأودية، مما يؤدي إلى تراجع أسعارها لتصل حدود (1500) أوقية قديمة للكلغ بالنسبة لنوعية الحمر الجيدة.
أما المختار ولد يركيت، وهو أحد أبناء هذه الولاية الذين يمتهنون العمل في الواحات، فقد أكد أن الكيطنة بدأت منذ بداية الشهر السادس، خصوصا على مستوى وديان (سكليل) و(عين أهل الطايع) و(تونكاد)، مبينا أن التمر يشتمل على العديد من الأنواع التي لايمكن حصرها من بينها على سبيل المثال لا الحصر (لحمر) و(تيجب) و(لمدينة) و(سل مدينة) و(تيكدرت) و(أمازيد)
و(الفالحه) و(الخواره) وغير ذلك من المسميات الشهيرة.
وأضاف أن السوق حاليا لا يتوفر على كميات كبيرة نظرا لكون معظم الوديان مازال لم يشارك في تزويده في انتظار نهاية الشهر السادس وبداية الشهر السابع وقت نضوج التمر في كافة الوديان تقريبا.
وبدوره، فقد بين السيد محمد ولد إكنيت، مدير مختبر أمراض النخيل أن مؤسستة، التي تم إنشاؤها سنة 2019، تعمل بشكل متواصل على تحسين مستوى إنتاج الواحات عبر تنفيذ العديد من البرامج الهامة.
وأضاف أن تطوير القطاع يتم من خلال تكثير فسائل النخيل عبر الزراعة النسيجية له، مبينا أن فسيلة واحدة تنتج حوالي (200) ألف فسيلة بنفس مواصفات الفسيلة الأم.
وأوضح أن موسم الكيطنة لهذه السنة ستكون له انعكاسات إيجابية على الساكنة، داعيا جميع أبناء الولاية إلى التوجه إليها والاستفادة من أجواء الراحة.
وكالات السفريات، هي الأخرى تستفيد من موسم الكيطنة، حيث يزدهر نشاطها في هذا الفصل من السنة بفضل الحركة المستمرة للركاب باتجاه الولاية، فتلك أسرة تشد رحالها بعد مشوار طويل من العمل في العاصمة أو أي منطقة من مناطق البلاد أو الخارج قصد الاستمتاع بأجواء الكيطنة مع الأهل والأحباب، وتلك أخرى تيمم وجهها باتجاه الوديان، مما ينعكس إيجابيا على حركة نقل البضائع والأشخاص، وهي معادلة يشتد وترها وتعم فائدتها كلما اتسعت دائرة الوافدين المدفوعين برغبة الاستمتاع والاستجمام التي تغذيها مشاعر الفرح والابتهاج ولقاء الأحبة.