انطلقت بمقر بيت شعر نواكشوط مساء أمس (الخميس)، الدورة الأدبية الثالثة، التي ينظمها البيت، والتي تجري هذا العام تحت عنوان "مهارات الإبداع : الشعر نموذجا"، وهي الدورة التي يشرف عليها مختصون، ويشارك فيها ثلاثون (30) شاعرا وشاعرة، ويحضرها مؤطرون من أبرز أساتذة الجامعات وكبار الشعراء الموريتانيين.
وفي كلمة افتتاح الدورة، أكد الأستاذ الدكتور عبد الله السيد مدير شعر نواكشوط، أن رعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة للمبدعين في مختلف الأنشطة إعلاء للثقافة العربية وحماية للتراث والأصالة وعمل جاد ومؤسس لإنتاج ثقافة تنويرية تحتاجها أجيال الأمة للنهوض والإبداع.
ونوه ولد السيد بمستوى الحضور لهذه الدورة، شاكرا المبدعين الذين حضروا على المشاركة تعلما وإثراء، ومشيدا بمستوى الأساتذة المختصين الذين يشرفون على هذه الدورة.
واستعرض ولد السيد التاريخ المكتبي حول طبيعة الفن الشعري، معددا في هذا الإطار، المؤلفات الرائدة عبر العصور في مهارات الشعر إيقاعا وإلقاءا وتشكيلا بصريا، وتحدث عن كتب الرواد، وخاصة في مجال العروض، وآرائهم في فنون الشعر المختلفة عموما.
بعد ذلك استمع الحضور إلى الدكتور ولد متالي لمرابط، الأستاذ بجامعة حائل بالمملكة العربية السعودية، والذي قدم ورقة عن "الإيقاع" في الشعر العربي، مستعرضا النظريات المتعددة في هذا المجال، ومقدما نماذج تطبيقية شملت كل مراحل الشعر العربي حتى اللحظة الراهنة.
وتحدث المحاضر عن زاويتين محوريتين، الأولى البنيات الإيقاعية الكبرى في الشعر العربي : القصيدة العمودية التراثية، قصيدة التفعيلة، وقصيدة النثر. أما الشق الثاني فكان حول بعض التجليات والظواهر الإيقاعية المحورية في البنيات الكبرى لإيقاع الشعر العربي، كما قدم عددا من الأطاريح والآراء النقدية حول الإيقاع.
المحاضر زاوج بشكل فريد في النماذج التي قدمها بين بنيات "الإيقاع" عند الشعراء الشناقطة و"الإيقاع" في العصور الشعرية العربية المتعددة، ضاربا أمثلة بشعراء مثل : محمد ولد الطلبه، الشيخ سيد محمد الشيخ سيدي، أحمد عبد القادر، محمد إدومُ، محمد المحبوبي، وغيرهم.
وفي هذا الإطار، وفيما يتعلق بقصيدة النثر، تحدث المحاضر عن خروج العلامة محمد اليدالي قبل نحو قرنين بقصيدة "صلاة ربي" (وزن غير معروف في الشعر العربي)، وجمالية إيقاع هذه القصيدة، مرورا بشعراء النثر في موريتانيا وخاصة القصيدة النثرية عند الشاعر الراحل د.محمد عبد عبدي، وقصيدة النثر الحالية عند الشاعر د محمد بدي ابنو، والشاعر المختار السالم، والشاعر إبراهيم وعبد الله، وغيرهم.
هذا، وتفاعل الحضور- بمداخلات وآراء قيمة - مع موضوع اليوم الأول من الدورة الأدبية، حيث أكد الأستاذ الدكتور أبوه ولد بلبلاه سعادته بحضور هذه الدورة، منوها إلى أن أغلب إشكالات الشعر العربي طرحت اليوم تنظيرا ونقاشا، ونوه بالطرح الجاد الذي أظهره المحاضر، وتجلى في سبره أغوار موضوع "الإيقاع" الشعري عبر العصور والمدارس الشعرية وأجيال القصيدة العربية.
وعرض شعراء شباب بارزون استشكالاتهم في مجالات تتعلق بالإيقاع، كما قدم بعضهم قراءات شعرية ضمن سياق أرائه وتساؤلاته.
وكان من أبرز الإشكالات التي طرحها الشعراء المشاركون في الدورة ضرورة البحث بدقة في أسباب ما يعتبرون "العودة القوية" للقصيدة العربية الكلاسيكية شكلا (عروض/ تفعيلة)، وسبب تراجع الاهتمام بقصيدة النثر.
ومن الواضح أن أغلب المشاركين في الدورة اعتبروا أن قصيدة النثر فشلت في استقطاب الجمهور العربي، مستغربين تراجعها في هذه الفترة عن مستوى الاهتمام الذي حظيت به مع الرواد (مجلة "شعر".. جبرا إبراهيم جبرا، توفيق صايغ، محمد الماغوط، أودونيس، أنسي الحاج، عز الدين لمناصره.. إلخ)، وطرحت أسئلة عدة حول أسباب "رفض الجسم الثقافي العربي" لهذه القصيدة من حيث الاهتمام والتعاطي.
وتجلى من النقاش والتفاعل بين المشاركين والمؤطر أن قصيدة النثر العربية تواجه عاصفة من الكتبة غير الشعراء، الذين استغلوا الحدود المفتوحة لهذه القصيدة من أجل إغراق الساحة بعشرات الملفات التي لا تنتمي للشعر.
هذا، وأجمع الحضور على أهمية هذه الدورة الأدبية، وما أتاحت من معرفة ومجال للنقاش وتبادل الآراء في إشكالات شعرية معقدة ومستجدة، وخاصة منها ما تعلق بمسالك الإيقاع، وكذلك آليات القصيدة العربية الحديثة، وسبل التعامل مع الجمهور، ومع الأجناس الإبداعية الأخرى من موسيقا ومسرح، هذا إلى جانب الفنون التشكيلية والبصرية، وتقنيات الإيقاع المرئي والمسموع والمرسوم، مذكرين في هذا الإطار باهتمام الشعراء العرب بالتشكيل البصري، وإحياء هذا المؤثر الفني على الخطوط العربية، والتي عمد شعراء بارزون إلى اعتمادها في كتابة قصائدهم (الخط المغربي مثلا)، وإلى الرسم التشكيلي بأبيات القصيدة العربية، وغير ذلك.