المعدن الإخباري : عرف الموريتانيون زراعة النخيل منذ قرون، واتخذوا من ثمار النخلة دواء وغذاء، ومن جذوعها وأغصانها سكنا وفراشا، وتشكل زراعة النخيل العمود الفقري للاقتصاد المحلي في ولاية آدرار، كما قامت على أشجار النخيل وثمارها العديد من الصناعات التي أصبحت مصدرا للثروة، على المستوى الوطني، وخاصة في ولاية آدرار التي تحتل الصدارة في إنتاج التمور بلا منازع، وظلت ولاية آدرار تتربع على عرش الولايات المنتجة للتمور عالية الجودة في موريتانيا، بالإضافة إلى ما تنتجه "لكراير" الكثيرة والخصبة من الحبوب، مقدمة بذلك مساهمة معتبرة في الناتج الوطني الخام، ومؤمنة العيش الكريم لآلاف المواطنين في تلك الربوع الجميلة، من خلال هذه الثروة الاقتصادية الكبيرة.
غير أن هذه الثروة أصبحت مهددة بالزوال أكثر من أي وقت مضى، نتيجة الجفاف الحاد، الذي توالت سنواته على الولاية، مخلفة أضرارا بالغة التأثير على واحات النخيل، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، نضوب المياه في أماكن كثيرة من الولاية، وانخفاض منسوبها وملوحتها في أماكن أخرى، هذا فضلا عنما قد يلابس النخيل من أمراض خفية، الشيء الذي أدى إلى موت آلاف النخيل، في أنحاء متفرقة من الولاية، ويهدد باختفاء ما بقي منه إذا ما اتخذت تدابير استعجالية لانتشاله من مصير الهلاك الذي هو آيل إليه.
لقد ألحق الجفاف والأمراض ضررا بالغا بواحات النخيل في آدرار، بالإضافة إلى ظاهرة حفر الآبار الارتوازية التقليدية، من دون دراسة علمية، واستنزاف البحيرة الجوفية، عن طريق الطاقات الشمسية والمضخات، والإستغلال غير المعقلن لهذه المياه، مما أدى إلى انخفاض مستوى هذه المياه وملوحتها، عوامل كلها أدت إلى موت النخيل، عطشا أو تأثرا بالملوحة، هذا إذا لم يكن هناك مرض ينخر أجسام النخيل.
الزائر لولاية آدرار اليوم، يلاحظ دون عناء، انتشار ظاهرة الموت الجماعي للنخيل، على عموم ترابها، الأمر الذي يستدعي التدخل السريع من طرف الدولة، من خلال البعثات والخبراء والهيئات المختصة، من أجل إجراء تشخيص علمي، لأسباب كارثة نفوق النخيل، وتقديم تصورات عملية للحلول المناسبة، وتنفيذها على الفور، عسى أن يجدي التدخل نفعا بعد ما آل إليه الوضع الكارثي للنخيل، حيث ماتت آلاف، وآلاف أخرى تحتضر.
ووفق تصريح لعمدة بلدية معدن العرفان عمو ولد الدهاه، قال فيه إن ثلاث واحات من بلديته، مهددة بالزوال بسبب العطش، مثل واحة "امحيرث" وواحة "فارس" و واحة "وكشضه"، إذا لم يوجد حل سريع ينتشل بقايا هذه الواحات، ملفتا إلى أن واحة امحيرث فقدت حتى الآن 55% من نخيلها، أي ما يقارب 131000 من أصل 238000 نخلة مثرة.
وأكد السيد العمدة أن واحات أخري من بلدية المعدن، بدأت في التأثر، بسبب انخفاض مستوي المياه، والاستغلال المفرط لها، مثل واحة المعدن، وتيمنيت، منبها إلى أن حفر الآبار بدون دراسة مستوى البحيرة الجوفية، والاستغلال غير المعقلن للطاقات الشمسية والمضخات، كلها عوامل، أدت إلى استنزاف البحيرة.
كما ذكر عمدة المعدن أيضا، أن واحات اخرى في الولاية تأثرت بشكل كبير، مثل واحة "الطواز" التي فقدت ما يقارب 70% من نخيلها، وكذلك واحة وادان، وواحة "اكصير الطرشان"، و"واد سكليل" الذي لم يستفد من السد المنجز أخيرا، ويتواصل الموت الجماعي للنخيل على طول الواد إلى عين أهل الطايع.
وفي سياق متصل، قال رئيس رابطة الواحات في "واد إجشان" محمد ولد اسويدي إن نقص المياه يعتبر مسألة عامة في ولاية آدرار، مع تفاوت حدته من مكان الآخر، وذكر أن بعض الواحات تضررت بشكل كبير مثل واحة "امحيرث" و واحة "لودي" وواحة "وكضشض" والمعدن على مستوى مقاطعة أوجفت، كما أضاف السيد محمد ولد اسويدي أن منسوب المياه الجوفية ينخفض بصفة طردية مع قلة التساقطات المطرية، حيث أظهرت دراسة تتبعية لمستوى المياه الجوفية في واد إجشان، أن عمق الآبار التقليدية انخفض تدريجيا من 2,5م سنة 2000 إلى ما يقارب 10م سنة 2021.
وقال المنتقى ولد الشيخ محمد الأمين ولد سيدينا من معدن العرفان، إن انعكاسات الجفاف السلبية، تجلت أساسا في ضعف الإنتاج، في واحتي المعدن وصلاح الدارين، مؤكدا أن العطش أدى إلى موت الكثير من النخيل في واحة أكادير.**
كما أكد المستشار البلدي ببلدية انتيركنت أعلنات ولد باباهيم أن جميع واحات البلدية تأثرت بشكل كبير بسبب العطش، وأن بعض واحات البلدية تعتبر في حكم الزوال، مثل واحة "تكنت" و"كدي" و "جالت أجل" و "جالت عبدينه" وكذلك واحة "المالح" و "انتاده" في جنوب البلدية.
ويطالب سكان آدرار وأطره ومزارعوه بتدخل سريع من الدولة من أجل إجراء تحقيق في هذه الكارثة البيئية التي حلت بواحات النخيل في آدرار، واعتبارها والولاية منكوبة، واتخاذ تدابير قوية وسريعة من أجل إنقاذ ما بقي من النخيل على قيد الحياة، وإسعاف آلاف المزارعين المنكوبين جراء هلاك ما يمتلكون من النخيل، الذي يشكل مصدر عيشهم، حتى لا يصبح آلاف المواطنين في مختلف بلديات الولاية مشردين وعالة على الدولة.
لقد دأبت الدولة - وهذا واجبها الطبيعي- على التدخل السريع كلما حلت كارثة طبيعية بأي مكان من أرض الوطن، من أجل التخفيف من معاناة المواطنين، وإيجاد الحلول المناسبة للمشاكل المطروحة، هذا ما يغذي أمل سكان وملاك الواحات في آدرار رغم تفاقم الكارثة، وتصامم الجهات المعنية والمختصة إلى حد الآن وفق تعبير الكثيرين.
وبموت آلاف النخيل، وعطش الآلاف، ونفوق الثروة الحيوانية، وعدم توفر السدود حول "لكراير" و "الأودية" الزراعية، يكون حاضر ومستقبل الاقتصاد في ولاية آدرار قد أصبح مهددا بالانهيار، ما لم يحصل تدخل قوي وسريع من طرف الدولة، توازيه هبة جدية من طرف أطر ورجال أعمال الولاية، والهيئات الخيرية، الوطنية والدولية.
تقرير عالي ولد أعليوت