في منتصف نهار يوم السبت الموافق 11 من شهر سبتمبر 2021، قيّلنا على وقع خبر ليس بالعادي، خاصة وأن الأمر يتعلق بفقدان ـ المغفور له بإذن الله ـ الولي الصالح والقطب الزاهد الشيخ الحسين ولد الشيخ سيدي احمد لحبيب في العاصمة السنغالية داكار بعد صراع مع المرض منذ عدة أشهر بدأت رحلته العلاجية من بماكو...!؟
ورغم حتمية الموت وكونها لا تميز في وقعها متى ما حلت فإن النبأ في حد ذاته يختلف؛ إذ ليس ككل الوقائع والأحداث اليومية من حيث التعاطي والتأثير، فلمثله تبكي البواكي، على حد وصف أمير المؤمنين الفاروق لنساء قريش في حزنها على أبا سليمان؛ فقد كان الفقيد الولي الصالح الشيخ الحسين ولد الشيخ سيدي أحمد لحبيب مثالا في التصوف والزهد والحلم والتواضع، لا يريد علوا في الأرض ولا فسادا، طيب القلب والسريرة؛ سمح طليق كثير العطف على الترحاب والترحيب بزواره..!؟
بزغ شمس الولي العابد الشيخ الحسين ولد الشيخ سيدي أحمد لحبيب على يد شيخه عندما يئس منه وخلص إلي عدم فهمه واستيعابه لما يكتبه له في لوح تحفيظ القرآن، وذات مرة سخر منه وأقسى عليه، فنام الشيخ الحسين ليلته حتى طلعت عليه شمس الضحى فإذا به قد منّ الله عليه بحفظ القرآن؛ وعندما أخبر معلمه بذلك أمره بالوقوف بين يديه قائلا "مشي" على طريقة تعليم شيوخ المحاظر فإذا بالولي الصالح قد حفظ القرآن حتى أصبح عنده كالفاتحة فجازاه على ذلك.. !؟
تتلمذ الولي الصالح الشيخ الحسين ولد الشيخ سيدي أحمد لحبيب القلاوي على القطب الرباني الشيخ التراد ولد الشيخ سعدبوه؛ فأخذ منه وزاد في العلوم الشرعية والتصوف.. !؟
في منتصف الثمانينات من القرن الماضي حل في مقاطعة جكني وباء الكوليرا الذي زهق أرواحا كثيرة؛ وحلت كارثة حقيقية في تلك المنطقة بسبب انتشار الوباء؛ وحينها كان الولي الشيخ الحسين في سفر؛ والمواصلات غير متوفرة؛ فرآى في المنام حال العديد من تلامذته يعانون من الوباء فأسر بذلك لأحد رفقائه من تلاميذه؛ وقال له إن شئت رافقتني في رحلتي إليهم؛ وعندما سأله كيف فقال على اسم الله ومشيئته؛ فبات ليلته يتجول بين المصابين في المخيمات ومعه ذلك الرفيق وأخذ يوزع عليهم رقيا أعدها لهم في شكل أسلاك، اصبح كل من وصله يحمل ذلك الخيط.. !؟
و في منتصف تسعينيات القرن الماضي كانت نساء ورجال وأطفال من تلامذته في إحدى قرى مالي المجاورة لحاضرته التي أسسها وسماها التيسير يصرخون وينوحون بعد فقدانهم لابنهم الذي وقع في بئر طويل وتلاه في البئر تيسه الذي كان يروي عليه ظمأ مواشيه، فدعى الولي ربه بأن ينجيه ويرده إلي ذويه سالما؛ وقد استجاب الله لدعائه .. !؟
لقد كانت رحلة الولي الشيخ الحسين عنونا لكثير من القيم الإنسانية الرفيعة؛ فرغم أنه كان أحد الأعيان والوجوه السياسية البارزة في المنطقة؛ إلا أنه ظل يرفض الأساليب القذرة ويمقتها من تزلف ونفاق ومواربة؛ فعندما كان يدعم المرشح الرئيس أحمد ولد داداه في انتخابات 2007 وأشار عليه البعض بالتخلي عنه ودعم المرحوم الرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله الأقرب للفوز خاطبهم قائلا لن أتخلى عن عهد قطعته على نفسي حتى ولو حملوني على دبابة يعني العسكر آنذاك.. !؟
فكانت رحلته في الشأن السياسي مليئة بالصلاح والزهد والحلم وحب الخير للجميع مهما اختلف معه في الطرح أو خالفه في الرأي؛ فكان يصدّق كل من يتحدث إليه يكل براءة؛ لا يعقل عنده أن بإمكان أحد الكذب الذي يعتبره خيانة وغدر وكبيرة؛ وعندما يشتد النقاش وتتعالى الأصوات في المجالس السياسية التي يحضرها يغادر إلي حيث يمكنه أن يواصل تعبده وصلواته.. !؟
ورغم ما يخالجنا من حزن وأسى بفقدان هذه القامة الكبيرة التي كانت العنوان الأبرز للطهر والتصوف في منطقة الحوض الشرقي عامة ومقاطعة جكني بشكل خاص؛ إلا أن ذلك لن ينسينا واجب العزاء لعائلة الفقيد؛ وكل الذين عرفوه ـ وهم كثر ـ وخاصة سكان جكني و تلاميذه في الجارة مالي وموريتانيا عامة؛ سائلين المولى عز وجل أن يتغمده برحمته الواسعة وأن يرفعه إلي مصاف الشهداء والصديقين؛ و نتمسك بما قاله سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حدث كهذا؛ إنا لله وإنا إليه راجعون..ٍ!؟
الحسن ولد الشريقي