من خطل القول وكبير الخطأ ما يهمس به بعض القوم، وطارت به عنقاء بعض الفضائيات من، أن إشاعة جو السكينة والهدوء والتشاور بين رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، وأحزاب المعارضة التقليدية، مرده ابتعاده عن الرئيس السابق، أو سجنه.
فتلك لعمري مغالطة تشيب لها الولدان، وصريح زيفها كالشمس رأد الضحى، أو كالبدر ليلة أضحيان، فمن المعلوم بداهة والجلي عيانا، لكل ذي حظ ـ ولو يسيرا ـ من الإدراك، أن رئيس الجمهورية فور تسلمه مقاليد السلطة أسفر عن نهج تشاوري لا يقصي أحدا مهما كانت راديكالية معارضته، أو شذ طرحه، وكان من ناصبوه الخصومة إبان الحملة الانتخابية في طليعة من فتح لهم الباب والصدر، معلنا أن صفحة الحملة الانتخابية ـ التي خاضها دون تجريح أو همز أو لمز في أي خصم سياسي ـ قد طويت، وأنه بات رئيسا للجميع دون استثناء، وأن بناء الدولة يتطلب مشاركة الكل رأيا ومشورة، فتقاطر الجميع إلى القصر الرئاسي زرافات ووحدانا، وخرجوا بقناعة ما تردد أي منهم في الصدع بها، وهي أن قيادة البلد تنابذ عهد المكابرة والمنازعة، وجديرة بالثقة والمواكبة.
هذا التوجه الذي تبانه رئيس الجمهورية منذ خطاب الترشح فاتح شهر مارس 2019، ضاق به صدر الرئيس السابق الذي أسس بنيان حكمه طيلة عقد وحول من الزمن، على شفا جرف أزمة سياسية ظلت تتفاقم إلى أن غادر الحكم، وكانت كلما أريد لها ان تخبو أشعل جذوتها بتصريح قادح أو فعل خاطئ، فعمل إبان الحملة الانتخابية على تعكير جو خطاب الحملة التصالحي، وسعى لها سعيها، لولا أن تداركها الرئيس بحكمة يومها، فامتص بهدوء شطحات سلفه، وأعرض صفحا عن قبيح رد فعل خصومه.
وما إن بدأ رئيس الجمهورية فتح صفحة جديدة من التشاور مع المعارضة، كما الأغلبية، حتى عاد الرئيس السابق من سفرته "الاستجمامية" على جناح السرعة، حاملا معه أزمة مرجعية الحزب الحاكم، ظانا أن الأمر كما عهده مزاجا متقلبا وسلطة أمر واقع لا دخل للقيم السياسية وأخلاق الحكم الراشد فيها، متهما رئيس الجمهورية بالنكوص عن نهج التأزيم والتصعيد الذي انتهجه هو مع معارضيه، غافلا أو متغافلا عن أن بين نهجه وبين نهج الرئيس الحالي، بٌعد المشرقين.
لذلك فمن غير الوارد البتة القول إن الرئيس الحالي اقترب من المعارضة أو تقاربت معه، بعدما ابتعد عن سلفه أو سجنه، فالرئيس السابق هو من ابتعد سياسيا حين حاول الاعتراض ـ وماله من صوت مسموع أو رأي متبوع ـ على نزع فتيل التأزيم السياسي الذي زرع بذوره أشواكا مزقت جسد الوطن سنين عددا، وتوهم أنه قادر على التحكم في دفة الأمور السياسية عبر الحزب الحاكم، متجاهلا أنه إن كان رب التأزيم السياسي، فإن للحكم الرشيد رئيسا سيحميه
أما ربط سجنه برئيس الجمهورية فتلك لعمري زلة يعيها الساذج في غفلته، فما يعرف اليوم بملف العشرية، بدأ في أروقة برلمان انتخب إبان حكم الرئيس السابق وحصد أنصاره يومئذ أغلبية مقاعده، وأحيل من البرلمان إلى القضاء الذي أحجم منذ الوهلة الأولى عن سجن الرجل رغم فظائع التهم وبوائق الدعاوي، إلا أن قاد هو نفسَه بنفسِه إلى محبسه، بعد أن استبد وعاند، ثم عبس وبسر ثم أدبر واستكبر، ورفض أن يمتثل لقرارات وأوامر قضاة التحقيق، فأودعوه السجن الاحتياطي.
أفمن يسعى لاستقرار البلد وتلاقي شركاء الوطن، كمن لا يسعى إلا لتوتير الأجواء السياسية، ودق عطر منشم بين أبناء البلد، بعد أن عاث في الأرض فسادا.. كلا لا يستويان، إلا:
ذا وصَفَ الطائيَّ بالبخل مادِرٌ
وعَيَّرَ قُسَّا بالفهاهة باقلُ
وقال السُّهي للشمس أنت خفيَّة
وقال الدُّجي للصبح لونُكَ حائل
وطاولت الأرضُ السماءَ سفاهة
وفاخرتْ الشُهْبَ الحصى والجنادلُ
محمد محمود ولد عبد الله