لا تفتروا على ولد الشيخ سيديا / محمد محمود ولد عبد الله

أحد, 10/24/2021 - 05:47

 

سال حبر  غزير، ودار جدل كثير، منذ أن صرح المستشار السابق لوزير العدل أحمد ولد هارون ولد الشيخ سيديا على شاشة إحدى القنوات الخصوصية، باطلاعه على وثيقة قال إن بها أسماء أشخاص، تورطوا في تهريب مبالغ تقدر بملايين الدولارات إلى الخارج، وأن السلطات العليا في البلد تكتمت على الموضوع وأوقفت التحقيق فيه.
وهو تصريح حمل من الخطورة والحساسية ما يجعل تجاهله أو التلكؤ في التحقيق فيه جُرما لا يغتفر، لذلك سارعت السلطات ـ وهذا واجبها ـ إلى فتح تحقيق لكشف الملابسات ومعرفة الخلفيات، فكانت البداية بمصدر التصريح وأصل المعلومة، وهو المستشار نفسه، فتم استدعاءه واستجوابه بشأن ما صرح به عن الوثيقة اللغز، وعن المتورطين المفترضين في جريمة التهريب المزعومة، لكن المفاجأة كانت مدوية ومخيبة لآمال المترصدين المتربصين، فالوثيقة التي ملأت الدنيا وشغلت الناس بعد الحديث عنها في برنامج تلفزيوني، وأبدع المنظرون في استقراء احتمالاتها، ونشر الناشرون صحائف عن تكهنات بمضامينها، ليست سوى ورقة من ملف البنك المركزي الموريتاني المعروف "بملف تبيبة"، حسب تصريحات المستشار نفسه، حين استجوبه المحققون، وكان قد اطلع عليها إبان فترة عمله في ديوان وزير العدل السابق، والملف المقصود ـ كما يعلم الجميع ـ بُسط بقضه وقضيضه أمام العدالة، وهي السلطة المختصة في البت فيه، واطلع الرأي العام على كل وثائقه ومضامينها دون استثناء أو حجب أو إخفاء، فأي جديد في الحديث اليوم عن إحدى وثائقه وكأنها فتح مبين وكشف لكنز ثمين، سوى المناورة بفقاعة هواء، فقأَ التحقيق مصداقيتها سريعا، فلم تكن سوى كشف عن معلوم، وحديث معاد أخنى عليه الذي أخنى على لبد.  
بيد أنه من الغريب العجيب أن يعمد بعد المتربصين، الذين يلمزون الناس في أعراضهم، ويؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا، ممن إن صادفهم قول سوء في النظام ـ صدقا أو كذبا ـ أذاعوا به، وإن سمعوا من صالح دفنوا.
أن يعمدوا إلى امتطاء حصان طروادة واهمين أنه واصل بهم إلى غايتهم في تلبيس السلطات العليا للبلد ورجالها من فيض زورهم، وعظيم كيدهم، ما لا يخطر على بال، وهم ينضحون تخرصا وافتراء، ليلصقو بالمستشار ما لم يقصد، وينسبوا إليه ما لم يقل، زاعمين أنه تحدث عن وثيقة أخرى ما أنزل الله بها من سلطان، قد ابتدعوها في أخيلةٍ عشش فيها التدليس والتلفيق، فتارة يزعم قائلهم إفكاً افتراه وأعانه عليه قوم آخرون، أن الأمر يتعلق بوثيقة لبعض المنظمات الدولية المهتمة بالشفافية ومكافحة غسيل الأموال والارهاب، وأنها مساءلة للحكومة عن أسماء وأرقام حسابات وهمية لا أساس لها من الصحة، يدعون أنها استقبلت تحويلات مالية ضخمة خارج الأطر القانونية المعهودة، وتارة يزعم آخرون ـ وقد تدثروا جميعا خلف أسماء مستعارة ـ أن للأمر علاقة بتحويلات من وإلى بعض الدول الإفريقية.
ومما تصطك له المسامع ويشيب له خدج الولدان، أن يطير بعض أنصار الرئيس السابق فرحا بوثيقة هي غيض من فيض بحر إدانة زعيم العشرية الغبراء، ويسعوا للخوض فيها، والترويج لها، ولو علم متنطعهم ومفتريهم، حقيقة الوثيقة وكنهها، لظل وجهه مسودا وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به.  
صحيح أن المستشار السابق رفع عقيرته بمعارضة النظام، ونظّر لذلك وفكر وقدّر، وله الحق في مسعاه المعارض في حدود القانون، فنحن وإياه في ظل دولة  ديمقراطية آمن القائمون على الحكم فيها بحرية التعبير، وعملوا على تعزيزها وحمايتها، وليس لأي كان الحق في أن يفتري على المستشار أو يحمله أوزارا وإفكا هو منه براء، أو ينسب إليه زعما لم يزعمه، وقولا لم يقله، فقد كشف هو نفسه عن حقيقة الوثيقة المقصودة، وحَسم الجدل، وقُضيّ الأمر الذي فيه تخوضون، فهي مجرد وثيقة في ملف قضائي صدر فيه حكم، ونشر سلفا كل ما يتعلق به من وثائق ومعلومات، حتى سارت بها الركبان، وطارت بها العقبان، والمستشار اليوم حر طليق بين ظهرانينا، فاسألوه إن كنتم لا تعلمون، ثم أفصحوا عن هُوياتكم إن كنتم صادقين.
محمد محمود ولد عبد الله