في منتصف العام 2016، جمعني حفل عشاء أقامه أحد السفراء في نواكشوط بمناسبة انتهاء مأموريته، مع عدة سفراء.
خاطبني أحد السفراء – في لحظة تخلص نادرة من عقد الدبلوماسية وتحفظها – قائلا: "نحن نتابع تقاريركم عن الفساد في هذه البلاد، وأصدقكم أننا لم نكن نعتقد أنه بهذا المستوى، ولذا أقول لكم واصلوا عملكم، وتأكدوا أن له تأثيرا كبيرا، وإن لم تروه عيانا".
تذكرت هذه القصة، وحديث هذا الدبلوماسي الحصيف، عن ما يمكن تسميته بـ"التأثير التراكمي للإعلام"، وأنا أتابع ما أثاره قانون "الرموز" ذي المواد الثمانية من ضرر إعلامي على سمعة النظام، وعلى صورته لدى الرأي العام.
فقد تابع المواطنون عبر الإذاعة والتلفزيون الرسمي أزيد من ساعة من النقد اللاذع لنواب المعارضة، لم يسمعوه بهذا الحجم وهذا المستوى منذ وصول غزواني للسلطة، عبر هذه الوسائط التي تحتكر امتداح الفعل الرسمي.
جميع القنوات الخاصة، خصصت مساحات واسعة لمناهضي هذا القانون، أغلب القنوات الدولية استضافت نوابا ونشطاء وصحفيبن ضد القانون، وتسابقت لتحقيق السبق في تناوله.
فاتورة هذه "الصورة السيئة" التي رسمت عن النظام خلال الأيام الماضية باهظة، والقانون – بالحسانية - "ماه راد صوكَو"، فقبله بعامين مرر البرلمان قانون الجريمة السبرانية، وقانون الكراهية، فهل قضت تلك القوانين على خطاب الكراهية والإساءة؟!
الزمن زمن "الحرية التقنية" التي تجب مسايرتها بالحكمة، وتطور العقليات، ولا يمكن للنظام الآن حجب النشر، أو مصادرة التعبير، كما كانت أنظمة سابقة تفعلها بكل سهولة، فوسائل "الإعلام" اليوم بعدد المواطنين، بل أكثر منهم، ففي كل يد "أداة بث مباشر"، وربما أكثر، ولن يجد نظام الرئيس غزواني اليوم شيئا يخدمه الآن أكثر من إقناع "رجال ولد الطايع" بأن البلاد لم تعهد في عهده، وأن التاريخ اليوم 2021، وليس 2001.