لو نطقتْ صناديق اقتراع الفاتح من سبتمبر2018، لحدثت، عجبا، عن حجم التزوير الفاضح الذي شاب عمليات التصويت فيها؛ ولو سئلتْ طواقم مكاتب التصويت، فأفصحت، لحدث أعضاؤها، عجبا، عما شاب محاضرهم وتقاريرهم، وما تضمنته من تحريف وتبديل وتغيير؛
ولو استجوبت لجان الإحصاء الإداري ذي الطابع الانتخابي، المهيئ للانتخابات العامة، لأفصحت عما يشيب الولدان من هولهن من التوطين الانتخابي المزور، ومن تكرار التسجيل في غيبة المسجلين، وعن تحويل الآلاف والمئات من سجلات سكنهم إلى مناطق لم يرزها من قبل؛ ولو تكلم التزوير نفسه عن مصانعه وصُنّاعه، لحدث عجبا، عن مدن عريقة، وبيوت كريمة، وأنساب وأحساب، ومحاظر وحضرات، وقامات ومسئوليات؛ فما التزوير، ولما ذا يستبيحه شعبنا المسلم؟
أما التزوير فهو سلوك منحرف، وخلق سيئ، مشين؛ وجريمة جنائية يعاقبها القانون؛ وهو قلما يقع إلا عن خلل في حقيقة الإيمان؛ ويكفي التزوير مقتا، أن الله تعالى قرنه بالأصنام المعبودة من دون الله، فقال سبحانه: {… فاجتنبوا الرجس من الأوثان، واجتنبوا قول الزور}؛ كما اعتبره النبي صلى الله عليه وسلم ذنبا من أعظم الذنوب، حين عدد لأصحابه أكبر الكبائر، ومنها الشرك بالله، وعقوق الوالدين؛ ثم قال بعد أن جلس وكان متكئا: ” ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور” فما زال يكررها حتى قال الصحابة: ليته سكت!
رغم كل تلك الحقائق الدينية الصارخة، المعروفة عن التزوير، فإن شعبنا المسلم هذا، وبكل فئاته وألسنته وألوانه، قلما يتورع عن ممارسته، بمختلف أشكاله وأقسامه؛ ويستند شعبنا، هداه الله وعافاه، في استباحة جريمة التزوير، إلى قاعدتين غريبتين، ما أنزل الله بهما من سلطان:
– الأولى: أن يجر التزوير نفعا، عاجلا أو آجلا، للمزور، أو لأحد أقاربه، أو محاسبيه، ففي سبيل المنفعة الشخصية، وما في معناها، وما يجر إليها، تنتهك كل الحرمات، وتداس كل المبادئ والقيم والمثل العليا، وكل الثوابت الدينية والأخلاقية والاجتماعية. ويدخل في هذا الباب تزوير الأدوية والأغذية والملابس والعطور وكل المجلوبات إلى فوضى الأسواق الوطنية، وقد يدخل فيه أيضا تزوير التسجيل، وتزوير التصويت، إذا جر نفعا عاجلا.
– الثانية: أن يتعلق الأمر بنشاط أو هم أو تدبير، يكون من المستحدثات الطارئة التي لم يألفها الآباء والأجداد، ولم تتحدث كتبهم عن تفاصيلها؛ وذلك مثل تزوير الامتحانات والشهادات، والانتخابات، والأوراق الإدارية، وكل الأوراق الثبوتية، والإعفاءات الضريبية، والفواتير والصفقات والعقود التجارية، فضلا عن عقود النكاح والميلاد والطلاق .. إلخ. ومن ذلك التوطين المؤقت للتسجيل للانتخابات، وتزوير الانتخابات، وتزوير الناخبين، وتزوير المحاضر.
أمام تلك الحقائق الفاضحة التي لا يمكن دفعها، ولا يسوغ تبريرها، تحت أي ظرف من الظروف، فإن النخب الوطنية الموريتانية، من العلماء العاملين والمتعلمين، ومن الأكاديميين والمثقفين، ومن الأساتذة والمعلمين، ومن الأئمة والدعاة والواعظين، ثم من السياسيين والإداريين، والقادة العسكريين والمدنيين، ومن الحقوقيين والصحفيين، والنقابيين والجمعويين؛ كل أولئك مدعوون اليوم للانضمام إلى حلف فضول ضد التزوير والمزورين.
نقترح أن يقوم الحلف على تعاقد موثق، بمثابة عهد وميثاق، بين أعضائه، على القطيعة الكاملة مع كل من تقوم بينة موثقة على ممارسته الفعلية، أو مشاركته، أو مباركته، لأي نوع من أنواع التزوير، أو شكل من أشكاله؛ مع عزله والتشهير به، مهما كانت منزلته ومكانته الدينية والثقافية والاجتماعية؛ على أن تشمل القطيعة والعزل والتشهير:
– عدم منحه أي منصب قيادي في الدوائر التنظيمية أو الثقافية أو الاجتماعية الخاصة به؛
– رد شهادته في الحقوق العامة والخاصة التي تكون محل نزاع، أو بين يدي القضاء؛
– عزله عن الإمامة، وتجنب الصلاة خلفه، لانتفاء الأهلية؛ ما لم يظهر منه صلاح وتوبة؛
– رفضه إن جاء خاطبا، لعدم الكفاءة، في الخلق والدين، بسبب اقتراف جرم التزوير؛
– عزله عن مجالس المسلمين وعن مناسباتهم وعقودهم وولائمهم، حتى تعرف توبته؛
ويمكن اقتراح بود أخرى، وإضافة اشتراطات أخرى، او عقوبات زائدة على ما سطر؛