الشيخ عبد الله بن بيه يلقي كلمته في مؤتمر السلم الافريقي بنواكشوط - منصة الرؤية
ألقى الشيخ الشيخ عبد الله بن بيّه خطابا في مؤتمر السلم الافريقي الذي انطلقت فعالياته اليوم بقصر المؤتمرات بالعاصمة نواكشوط.
نص الخطاب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين، اللهم صلّ على سيدنا محمد نبي الرحمة وعلى آله وصحبه وسلّم.
فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني حفظه الله ورعاه
أصحاب السمو والمعالي والفضيلة،
كل باسمه وجميل وسمه،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
فخامة الرئيس،
يسعدني في مستهلّ كلمتي هذه أن أتقدم باسم الحاضرين بجزيل الشكر لفخامتكم ولحكومة الجمهورية الإسلامية الموريتانية على الرعاية الكريمة لهذا المؤتمر. إن منتدى أبو ظبي للسلم، ليعتز بهذه الشراكة الهامة والضرورية التي تثمنها دولة الإمارات العربية المتحدة التي ما فتئت تدعم جهود السلام والمصالحات في كل دول العالم وبخاصة في إفريقيا ودول الساحل انطلاقا من رؤيتها الثابتة لأهمية التعايش والتصالح والتسامح وهي رؤية ترى أنه لا مستقبل لعالم يمتلك أسلحة الدمار الشامل إلا في ظلال السّلام الدائم.
كما يسرني أن أرحب باسم المنتدى بضيوفنا من نخبة أهل السلوك المربين والقراء المجودين والمحدثين المبرزين والفقهاء المستبصرين والأكاديميين المبدعين، إن هذا المزيج يمثل أهل الحكمة الذين نعول عليهم لإثراء هذا المؤتمر بعلمهم وحصافتهم في تأليف القلوب وتنوير العقول.
إن ما حظي به إعلان انواكشوط في سنة 2020م من قبول واستحسان وما ناله من إشادة وتنويه، على المستويين الإقليمي والدّولي من جهات على رأسها الاتحاد الافريقي الذي تبنى على مستوى قمته في فبراير من نفس السنة مضامين (إعلان انواكشوط) ليبرهن على وجاهة المبادرة وراهنية الموضوع. كما يعكس هذا التقدير المكانة التي تحظى بها موريتانيا بمحاضرها وحواضرها وماضيها وحاضرها، في ظل قيادتكم الرشيدة فخامة الرئيس. ندعو الله تعالى أن يبقي موريتانيا خيمة يلتقي في ظلالها العلماء والحكماء ومنبراً يدعو إلى الخير والسلام، ورائداً إقليمياً يسعى في المصالحات والتوافقات.
الجائحة وروح ركاب السفينة
يأتي مؤتمرنا لهذا العام وقد مرّ العالم، ولا يزال يمر، بجائحة كورونا التي أكّدت أولوية البحث عن قيم التضامن فالبشر اليوم مثل ركاب السفينة يحكمهم مصير مشترك. وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلّم مثلاً للمجتمع بركاب سفينة من طابقين، أراد أصحاب الطابق الأسفل أن يعملوا خرقاً في الجزء الخاص بهم، وهنا ينبه الحديث على أن أهل الطابق الأعلى لو (تَرَكُوهُمْ وَمَا أَرادُوا هَلكُوا جَمِيعًا، وإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِم نَجَوْا ونَجَوْا جَمِيعًا). المصير المشترك يعني مسؤولية مشتركة.
واجب بذل السلام للعالم
لقد اخترنا لمؤتمرنا هذا العام شعاراً هو: (بذل السلام للعالم)، وهو مقتبس من الحديث الصحيح المحكوم له بالرفع الذي يرويه عمّار بن ياسر: "ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السّلام للعالم، والإنفاق من إقتار". لماذا اخترنا هذا العنوان؟ البذل أكثر من مجرد العطاء، أما كلمة "العالم" في لغة العرب فتعني كل ما سوى الباري جل وعلا:
العالم اسمُ ما سِوى الديانِ *** من نَوعي الأعراضِ والأعيانِ
وأما السلام هنا فليس مجرد لفظ السلام، بل هو الأخلاق وأسباب المحبة كما أشار إلى ذلك الحافظ بن حجر.
فالمسلم الحق مطلوب منه أن يبذل السلام للعالم كله إنساناً وحيواناً وبيئة. أن يكف يده عن الأذى، ولسانه عن نشر الفتن، وقلبه عن الكراهية، ففي الحديث الصحيح: (ألَا أُخْبِرُكُم مَنِ المُسلِمُ؟ مَن سَلِمَ المُسلِمونَ مِن لِسانِه ويَدِه)، وفي رواية (مَن سَلِمَ الناس مِن لِسانِه ويَدِه والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم)، وهذه الرواية التي وردت فيها كلمة الناس هي صحيحة أيضاً، وهي تؤصل لمبدأ (عصمة الآدمي) كما يسميها الحنفية.
فهذا هو التعريف النبوي للمسلم الحق والمؤمن الحق والمجاهد الحق، وهذا الواجب العيني على كل مسلم لا يحتاج إلى شروط ولا أسباب لأنه إما ترك أو عمل في النفس.
تحت هذه العناوين النبوية الشريفة ننطلق وفي ظلالها نجتمع، لنقول إن الحروب والفتن تخالف الشرع وتناقض المصالح والقيم الإنسانية.
إنّ هذا اللقاء الإفريقي له مهمة واحدة هي السعي إلى الخير والبحث عن مسوغات السّلام.
طموحنا كبير، فنحن وإن كنا لا نقود كتائب فإننا نحمل كتباً، وإن كنا لا نرفع السلاح فإننا نرفع دعوة الصلح والإصلاح: (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس).
أسئلة الوقت
إنّ للأزمات التي تعاني منها منطقتنا أبعاداً سياسية وتنموية واجتماعية وعليه فإن حلولها لا بد أن تكون شاملة، غير أن البعد الذي نحن بصدده هنا هو البعد الفكري، فإذا صلحت الأفكار صحّت الأعمال. اسمحوا لي أيها الحضور الكريم أن أسأل معكم أسئلة محددة هي بمثابة مفاتيح وإجابتها هي الهدف الذي نسعى إليه في كل جهودنا: كيف نطفيء الحرائق الملتهبة في أنحاء القارة؟ كيف نوقف دائرة العنف والإرهاب المفرغة التي لا يُعرف طرفاها، ولا يدري القاتلُ فيها لم قتَل ولا المقتول فيمَ قُتِل؟
إنّ هذه الأسئلة يمكن أن توجه إلى ثلاث جهات رئيسية: هم العلماء، وأولوا الأمر، والشباب.
واجب العلماء: التبيين وتحديد المفاهيم
الجهة الأولى هم العلماء العارفون بمقاصد الشريعة. نخاطبهم لندعوهم إلى الالتفات إلى فقه السلم ففيه إحياء لجوانب مهمة من التوجيهات القرآنية والنبوية ومناحٍ من السنن والسيرة المطهرة وضبط للمفاهيم الشرعية.
فالمفهوم الشرعي -كما لا يخفى على العلماء- محكوم بخطابين خطاب تكليف وخطاب وضع. فإذا اختلّ خطاب الوضع بشروطه وأسبابه وموانعه، اختل خطاب التكليف فينقلب المطلوب محرماً، بل إن الصلاة والصوم قد يحرمان إذا لم يستكملا شروطهما وأسبابهما وانتفاء موانعهما، وهذا معلوم لديكم. وكذلك الجهاد وكل المصطلحات الشرعية.
إذاً فلا بد من تحديد وتجديد جملة من المفاهيم بكل قوة ووضوح وضبط علاقتها بالمصالح والكشف عن ضوابطها وحدودها الشرعية في ضوء النصوص الحاكمة والمقاصد الناظمة التي تعتبر (قبلة المجتهدين) كما يقول الغزالي.
إن كثيراً مما يعيشه الناس اليوم من فتن مردُّه إلى التباس مفاهيم دينية، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد وطاعة أولي الأمر وهي مفاهيم كانت في الأصل سياجا على السلم وأدوات للحفاظ على الحياة ومظهرا من مظاهر الرحمة الربانية التي جاء بها الإسلام على لسان نبيّ الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم، فلما فهمت على غير حقيقتها وتشكلت في الأذهان بتصور يختلف عن أصل معناها وصورتها، انقلبت إلى ممارسات ضدّ مقصدها الأصلي وهدفها وغايتها.
إنكم أيها العلماءُ خير خلف لخير سلف، فكونوا دعاة للسلام ولا يكن في أنفسكم حرج بسبب فروع لا أصول لها ودعاوى لا بينات عليها، فأشجار السلام فروعها ظليلة ودوحاتها باسقة:
فلا تعدُ منها باسقاً ومظللاً
إن الدعوة إلى السلام هي دعوة إلى إحياء النفس (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً)، وهي من واجبنا تجاه إخوتنا ففي الحديث الشريف: (مَنِ استطاعَ منكم أن ينفعَ أخاه فلْيفعَلْ). وإنّ من أعظم النفع أن نمنع إخوتنا من الفتن ونحميهم من الاقتتال والقتل.
مؤتمرنا هذا هو منصة لإعلان الموقف الشرعي وفرصة للعلماء أن يدعو كل حامل سلاح أن يضع سلاحه، وكل خارج عن الجماعة أن يعود إلى مجتمعه، وكل من كفّر النّاس أن يعود إلى منطق الشرع، فتكفير المسلم كقتله كما ورد في الحديث.
العلماء مهمتهم هي التبيين ومعنى ذلك أن كل حكم يتعلق بثلاث جهات هي جهات التبيين والتعيين والتمكين:
فالتبيين هو موقف لإظهار الحكم للناس، أما التعيين فيتعلق بأعيان من يتجه الحكم إليه، فالأول هو مهمة العلماء والفقهاء، وأما الثاني فهو مهمة القضاة، وأما الثالث فهو مهمة الجهات التنفيذية، فما نحن بصدده هنا هو التبيين، فلكل جهة مهامها ولكل مرتبة مقامها.
أهمية المصالحات والحوارات
الجهة الثانية التي نوجه إليها سؤال إطفاء الحريق، هم أولوا الأمر الذين عليهم مهمة التمكين.
وفي هذا السياق أرى أن من أهم ما ينبغي أن نبرزه في هذا الملتقى هو الدعوة إلى إعادة الفاعلية لمبدإ الحوار والمصالحة، انطلاقا من قناعتنا الراسخة التي غدت كثير من الجهات الدولية تشاركنا فيها، بأن الحلول العسكرية والأمنية وحدها غير كافية، وأنه آن الأوان لنستعيد التراث الإفريقي الأصيل في التسامح وفي حل المشكلات بالحوار والوساطات والمصالحات بالحكمة تحت أشجار الباوباب (الدوم) أوالنخيل المثمرة.
إن التنازلات والملائمات من صميم الشرع ومنطق العقل، هكذا علمنا النبي صلى الله عليه وسلم من خلال صلح الحديبية، ولا يعتبر هذا النوع من التنزيل للقيم تنازلا عن حقيقة أو تخلّياً عن حق، بل هو بحث عن أنجع السبل لإحقاق الحق ورد الظلم، وحتى لا ينقلب المظلوم ظالما.
بالحوار يُبحث عن المشتركات والحلول الوسط التي تضمن مصالح الجميع، وتدرء الحسم العنيف، وتبتكر الملائمات والمواءمات، التي هي من طبيعة الوجود، ولهذا أقرها الإسلام، وفق موازين المصالح والمفاسد المعتبرة.
السّلام طريق إقامة الواجبات الدينية
أما الجهة الثالثة التي نتوجه إليها بالخطاب فهم الشباب لنقول لهم:
إنّ دعوة السلم هي دعوة محبة وشفقة على أبنائنا الشباب من أن يضيعوا أعمارهم وأوطانهم في تدمير ذاتي لا تعمير، وفي ضياع لا صلاح. إنّه تذكير لهم بأنّ الأجدر بهم أن يعمروا الأوطان ويرفعوا البنيان ويقيموا الصلاة ويرفعوا الأذان وأن يحيوا الأرض بالزرع والعمل الصالح ونشر العلوم وبر الوالدين.
فالجهاد كما شرعه الله عز وجل ومارسه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الراشدون، كان من أجل السّلم والرَّحْمة، وأما هذا الذي هم فيه:
فهو بغي وخروج على الناس بالسيف، لم تتوفّر فيه أسباب الجهاد ولم تتوافر فيه شروطه،
وهو عبث لا يحق حقا ولا يبطل باطلا، بل يزهق النفوس البريئة ويؤجج الاقتتال الداخلي والحروب الأهلية التي حذّر منها النبي صلى الله عليه وسلّم في خطبة الوداع: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض) وكما قال الإمام أحمد لمن شاوروه في الخروج على السلطان في فتنة خلق القرآن (لا تقتلوا أنفسكم وتقتلوا المسلمين معكم).
وهو فساد في الأرض ينغص معايش الناس ويروّع أمنهم: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ).
إن سبيل الله، نجاة وليست فوتاً، وحياة وليست موتا، "يأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم"، وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال مرّ على النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ فرأى أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم من جلده ونشاطه، فقالوا: يا رسول الله لو كان هذا في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله وسلم: (إن كان خرج يسعى على ولده صغارا فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى رياءً ومفاخرةً فهو في سبيل الشيطان).
أما تطبيق الشريعة الذي يرفعه البعض شعاراً فأول تطبيق للشريعة هو إحلال السلام وإيقاف الحرب.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا بد من مراعاة شروطه الخمسة واعتبار مراتبه الثلاث، وفي هذا يقول سيدي أحمد زروق رحمه الله: (والتعرُّض للأمور الجمهورية -وهذه عبارته- كالجهاد وردّ الظّلامات وتغيير المناكر بطريق القهر والاقتدار دون يَدٍ سلطانية ولا ما يقوم مقامها من الخطط الشرعية مفتاح باب الفتنة وإهلاك للمساكين بغير حق).
وفي نفس المعنى يقول أحد مصلحي القارة الإفريقية الكبار، الشيخ عثمان بن فودى السوكوتي في كتابه إحياء السنة: (وهذا زمان المحن والفتن، فلا سبيل إلى التعرُّض للأمور الجمهورية بالقهر والتغليظ، فإن ذلك يؤدِّي إلى التلف والهلاك).
خمسيّات تؤطر فقه السلم
أيها الشباب، السلام مقصد أعلى تتحقق من خلاله بقية المقاصد. احفظوا أيها الشباب: بالسلام ترفع الدعائم الخمس، وتقام الخمس، وتحفظ الكليات الخمس، وتحقق القيم الخمس، وتطبق القواعد الخمس.
في ظل الأمن والسلام ترفع دعائم الإسلام الخمس من شهادتين، وصلاة وصيام وزكاة وحج. وفي ظلاله تقام الصلوات الخمس (فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة)، فبالسلم تلتئم الجماعات والجمع ويرفع أذان الإيمان والأمان، وبه تحفظ الكليات الخمس من دين ونفس وعقل وعرض ومال.
هذه الضروريات الخمس هي أسمى حقوق الإنسان التي منحها له الله عز وجل، لا ثبوت لها ولا ثبات إلا في إطار المجتمع الآمن الذي يتمتع بدرجة من السلم. ففي ظل السلام وما يوفره من الألفة والسكينة والأمل تعرف أسبابها وتتوفر شروطها وترتفع موانعها وبفقده تسفك الدماء المعصومة وتنتهك الأعراض المحترمة.
وفي ظل السلام تحقق القيم الخمس الحاكمة للشريعة من خير ورحمة، وعدل وحكمة ومصلحة. والتي ذكر ابن القيم منها أربعة وزدت الخامسة التي هي قيمة الخير.
وبالسلام تحقق القواعد الفقهية الخمس الناظمة لكل الشريعة، فالأمور بمقاصدها، والضرر يزال، والعادة محكمة، والمشقة تجلب التيسير، واليقين لا يزول بالشك.
قد أسس الفقه على رفع الضرر***وأن ما يشق ما يجلب الوطر
ونفي رفع القطع بالشك و أن***يحكم العرف وزاد من فطن
كون الأمور تبع المقاصد ***مع تكلف في بعض وارد
كما في المراقي، وإن كان أصل هذه القواعد ينسب إلى القاضي حسين المروزي (المروروي) الشافعي.
احفظوا عني هذه الخمسيّات، واعلموا أن الحرمة لا ترتفع بالشك، والقتال دون مسوغات صحيحة مخالف للأوامر النبوية الصريحة كما في حجة الوداع:
(إنَّ دِماءَكُم، وأمْوالَكم وأعْراضَكُم حرامٌ عَلَيْكُم كَحُرْمة يومِكُم هَذَا، في شهرِكُمْ هَذَا، في بلَدِكُم هَذَا).
مقترحات وآفاق
وفي ختام هذه الرسائل العاجلة أؤكد على حاجتنا إلى مواصلة البحث عن خطاب جديد مقنع، وإلى مقاربة متجددة تفتح الآفاق وتقترح الحلول بعيداً عن خطاب اليأس والقنوط الذي نُهي عنهُ المؤمنون: (وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ).
وأختم هنا بمقترحات رمزية وعملية،
المقترح الأول استحداث لجنة للحوار والمصالحات والتنمية، تجمع بين الحكماء والوجهاء والعلماء في كل بلد، وتعنى بالوساطات والمصالحات لفض النزاعات ذات الأشكال والأنماط المختلفة، سواء كان مردها إلى ضغائن وإحن تاريخية أو عصبيات عرقية وقبلية أو كان سببها الفكر المتطرف والإرهاب.
ومن وظائف هذه الهيئة المقترحة التكوين والتدريب على ثقافة الحوار وآلياته ومبادئه وإشكالاته، بحيث يتسنى للمرشدين والمربين وجميع الفاعلين القدرة على ممارسة الحوار في تفاصيل حياتهم اليومية وعلى كل المستويات في علاقتهم بمجتمعاتهم من خلال إبداع وسائل مبتكرة للتواصل والتفاعل.
المقترح الثاني يتمثل في قوافل السلام، التي يمكن أن تتكون من الأئمة والوجهاء من مختلف العرقيات والقبائل في المناطق التي تعاني من الحروب الأهلية والصراعات الدموية. لقد جرّبنا في منتدى أبو ظبي للسلم إطلاق قوافل السّلام في بيئات أخرى، وأثبتت نجاعتها وقدرتها على العمل الميداني المؤثّر في نشر قيم التسامح والأخوة، ممّا يجعلنا نقترح تطبيقها بشيء يسير من التطوير، إن من شأن مثل هذه القوافل أن تكون رسل مودة تخفف غلواء الاختلاف وتعزز أواصر المحبة والأخوة داخل المجتمعات.
ولا شك أن هذا الجهد الفكري لا بد أن يرفده جهد تنموي يعمل على مساعدة المتضررين وتشغيل العاطلين وتعزيز دور الدولة وزيادة حضورها.
وختاماً أجدد شكري لفخامة الرئيس السيد محمد ولد الشيخ الغزواني رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية على رعايته الكريمة لهذا المؤتمر وأدعو الله أن يحفظ أوطاننا ويصلح أعمالنا وأن يجعل اجتماعنا اجتماع خير وأن يكلله بالنجاح والتوفيق.
جعلنا الله من (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ)، اللهم افتح مسامع قلوبنا لذكرك وطاعتك وارزقنا طاعتك وطاعة رسولك.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.