كان الصراع على الساحة التي يقع عليها الآن مسجد الشرفاء ومحظرته ومنازل الطلاب المحيطة به، مشتعلا بقوة خلال نهاية الستينيات من القرن المنصرم، سعيا من كبار رجال الأعمال إلى نيل هذه الأرض الكبيرة التي يمكن أن تحقق مكاسب تجارية كبيرة.
لكن الرئيس المرحوم المختار ولد داداه حسم الأمر بشكل نهائي بعد طلب تقدم به رجال من الحي يريدون أن يأذن لهم في بناء مسجد، فأعطاهم على الفور إذن استغلال المساحة التي أصبحت منذ ذلك اليوم أهم محضن دعوي في العاصمة نواكشوط، ثم استقرت بعد ذلك منبرا لشيخ الدعاة الإمام الشيخ محمد الأمين ولد الحسن رحمه الله تعالى.
كان من بين الجيل الأول الذي حمل هم المسجد، كلا من محمد الأمين وأحمدو ابني الشريف المختار، ومحمد عبد الرحمن ولد إميجن، وسيدي ولد سيدي الفالي، والداه ولد أحمد بوسات رحمه الله تعالى.
وقد تعاقب على المسجد منذ تأسيسه عدة أئمة أولهم المرحوم أحمدو بن الهيبة بن أحمد بوسات رحمه الله تعالى، ثم خلفه بعد ذلك الشيخ محمد عبد الرحمن بن محمد محمود، الذي تخلى عن الإمامة لشيخه محمد الأمين ولد الحسن.
اختار الإمام محمد عبد الرحمن ترك الإمامة، موجها اغلب وقته بعد ذلك إلى التعليم النظامي الذي رأى أنه " ميدان دعوة مهمة لا ينبغي التخلف عنه" وبعد ذلك بفترة أسس الشيخ محمد عبد الرحمن معهد الفاروق في الميناء وتولى إمامة جامع قطر لعدة عقود، تاركا للشيخ محمد الأمين مسجد الشرفاء ومحظرة العون
منبر الشيخ محمد الأمين ولد الحسن
تولى الإمامة بعد الشيخ محمد عبد الرحمن أستاذه الشيخ محمد الأمين ولد الحسن منتصف العام 1977، وذلك بعد سنة من إقرار ثلاث جمع في العاصمة نواكشوط، وهي جمعة مسجد الشيخ بداه، وجمعة مسجد ابن عباس، وجمعة مسجد الشرفاء.
كان الشيخ محمد الأمين ولد الحسن الذي قدم إلى نواكشوط سنة 1967 ليدرس في محظرة الشيخ بداه ولد البوصيري قد نهل من محاظر متعددة في مناطق متعددة من البلاد، وخصوصا في محاظر عشيرته في ولاية لعصابة، قبل أن يتوجه إلى محظرتي لفريو وتندغماجك، حيث كتب هنالك قصة همة عالية وطموح علمي مشرق وموسوعية تمتد شواطئها على جميع متون المعرفة الإسلامية واللغة العربية.
عرف منبر الشيخ محمد الأمين ولد الحسن خلال عقد الثمانينيات بمواقفه الصارمة، ودعوته المتوثبة إلى تطبيق الشريعة، وسرعان ما أصبح أحد أشهر خطباء العاصمة نواكشوط، وأكثرهم جرأة، كما كان له دور كبير في الجهود الدعوية التي نشأت وامتدت طيلة تلك الفترة إلى اليوم.
كما احتضن المسجد كثيرا من المناشط الدعوية التي نظمها التيار الإسلامي طيلة ثلاثة عقود، وأعلن عبر منابره عن مواقفه من القضايا المهمة مثل التطبيع مع الكيان الصهيوني.
نال جامع الشرفاء نصيبه غير منقوص من سنوات العسف الطائعية، حيث اعتقل إمامه المرحوم محمد الأمين ولد الحسن مرتين، آخرهما استمرت إلى حين الإطاحة بولد الطايع في منتصف 2005.
وقد تولى التدريس في المسجد إلى جانب الشيخ محمد الأمين ولد الحسن عدد من العلماء مثل محمد ولد حيمدان، وأحمدو ولد حبيب ولد الزايد، ومحمد سالم ولد الشيخ الحسن والشيخ أحمدو بن آلا وغيرهم رحمهم الله، كما ورث المحظرة من بعده عدد كبير من العلماء من تلاميذه الذين درسوا وتخرجوا على يديه
محضن للدعوة والتبليغ ومقر منتدى العلماء
احتضن جامع الشرفاء النواة الأولى لجماعة الدعوة والتبليغ التي اتخذت منه مركزا لعدة سنوات، قبل أن تنتقل إلى مسجدها "التوبة" بمقاطعة الرياض.
كما احتضن المسجد خلال السنوات الخمس المنصرمة أعمال وفعاليات منتدى العلماء لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم والذي تولى الشيخ محمد الأمين ولد الحسن رئاسته.
وبرحيل ولد الحسن قبل سنتين يفقد الجامع رجل القرآن ومقيم الصلاة، راهب محرابه، وأسد منبره الذي رافق أجيال الصلاة والدعوة طيلة أربعة عقود، وما زال مسجد الشرفاء عنوان ذكرإعداد موقع الفكر