مدير المكتب الإعلامي للرئاسة يكتب: ما الذي يجعل ابروكسل مكانا متميزا للتعاطي مع أوروبا والعالم الغربي؟

خميس, 10/26/2023 - 20:24

 

استقبلنا رذاذا خفيفا بينما كانت الطائرة الرئاسية تحط بنا على أرضية مطار ابروكسل عصر يوم غائم.. ثم خرج الموكب في اتجاه مقر الإقامة بفندق Sofitel أوروبا في ميدان جوردان. الموقع متميز في قلب المنطقة الأوروبية من ابروكسل، بين مقر البرلمان الأوروبي ومقر المفوضية الأوروبية، وعلى بعد خطوات قليلة من حديقة Parc du Cinquantenaire الشهيرة، والعديد من المتاحف الكبرى مثل متحف الجيش، ومتحف السيارات، ومتحف الطيران، والمتاحف الملكية للفنون والتاريخ.

 

ولعل مجرد اختيار موقع الإقامة يشي بطبيعة الزيارة التي يقوم بها فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، إلى ابروكسل عاصمة أوروبا، للمشاركة في أشغال منتدى البوابة العالمية التي هي بمثابة الطبعة الأوروبية من المبادرة الصينية المعروفة بالحزام والطريق..

 

لكن، ما الذي يجعل ابروكسل مكانا متميزا للتعاطي مع أوروبا والعالم الغربي؟ ماذا عن تاريخها الحديث والقديم؟ وكيف استطاعت البلدة الصغيرة التي نشأت في القرون الوسطى حول قلعة أقامها تشارلز ملك فرنسا، على جزيرة صغيرة مليئة بالأهوار في نهر السين، عرفت آنذاك باسم Brosella، أن تصبح العاصمة الثلاثية لكل من بلجيكا والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو؟

 

 تاريخ ابروكسل طويل ومتشعب ومتوتر.. تخللته الكثير من الاضطرابات والثورات والحروب والمآسي قبل أن تصل المدينة إلى ما هي عليه اليوم من ازدهار وهدوء ودعة..

لقد جرت مياه كثيرة تحت الجسر قبل أن تصبح ابروكسل ايقونة مدائن اوروبا، والعاصمة العالمية للنبيذ، التي تشتهر برقائق البطاطا المقلية وانتشار مكاتب مجموعات الصغط أو اللوبيات.

 

إنها قصة مليئة بالأحداث والمغامرات والمآسي.. لكنها اليوم تمثل قصة نجاح حقيقي لمدينة مكافحة، صبورة وحالمة، وتحمل على عاتقها أحلام كل الأوروبيين وطموحاتهم بلا حدود .

 

في القرون الوسطى، تطورت المدينة بفضل صناعة الملابس، وحكمتها البرجوازية التجارية من خلال ممارسة نفوذها على الجزء "السفلي" من المدينة، بينما سيطر اللوردات وممثلوهم على الجزء "العلوي" منها. لكن الاضطرابات المجتمعية لم تهدأ في المدينة التي عرفت ثورات عديدة منذ القرن الثالث عشر، عندما تحدت نقابات الحرفيين السلطة البرجوازية واستولت على المدينة لبضع سنوات. تراجعت صناعة الأقمشة ثم تحول النشاط إلى صناعة النسيج.

 

تداولت العائلات الملكية الأوروبية الكبرى خلال عدة قرون، النفوذ والحكم في ابروكسل بدء من دوقات بورغينيون إلى الهابسبورغ مثل فيليب الجريء، و يوحنا الشجاع، وفيليب الطيب، وتشارلز الباسل. تماما كما تنازع على حكمها كل من النمساويين و الهولنديين و الفرنسيين. وأخذ كل منهم دوره عند الحلاق..

 

سمح التمرد الاجتماعي لتحالف طبقات الحرف بفرض تقاسم السلطة مع الأمراء. لكن ما فتئ أن دخلت البلاد من جديد مرحلة من التقهقر والانحطاط بسب الصراع على السلطة بين أمراء العائلات الملكية الأوروبية بدء من ماكسميليان النمساوي إلى تشارلز الخامس الذي حكم إسبانيا وهولندا، وسرعان ما انتخب إمبراطورًا جرمانيًا، خلفه ابنه فيليب الثاني بعد أن تنازل له عام 1555 عن العرش. 

 

لكن ابروكسل ستعيش المزيد من الأوقات العصيبة حيث افتتح عهد فيليب الثاني بفترة مضطربة، في سياق الحروب الدينية بين البرواستانت والكاتوليك استمرت قرابة قرنين من الزمان، عرفت المدينة خلالها صنوفا من الاضطهاد والقهر والاقتتال والمعاناة، خاصة مع تعاظم نفوذ محاكم التفتيش التي خلد الرسام "بروجل" الكثير من فظاعاتها في العديد من لوحاته ورسومه.