موريتانيا أولا / الكاتب و السياسي الكوري ولد أحميتي ( المقال كاملا)

أربعاء, 07/24/2024 - 11:36

مواضيع أخرى

شركة TGS تحصل على ترخيص لإجراء مسوح زلزالية قبالة سواحل موريتانيا

موريتانيا تمنح شركة أسترالية الموافقة لاستخراج اليورانيوم دون حد للإنتاج

الولايات المتحدة تقيّد منح التأشيرات لمسؤولي وكالات السفر المتورطة في تسهيل سفر المهاجرين

دراسة هندسية: منجم "أطوماي" في الزويرات يحوي 500 مليون طن من خام الحديد

لافروف: روسيا مستعدة للتنسيق مع موريتانيا حول الأمن في الصحراء والساحل

الاتحاد الإماراتية / «معدن العرفان» واحة قائمة على الأخوة والتسامح والعمل في موريتانيا

موريتانيا أولا / الكاتب و السياسي الكوري ولد أحميتي ( المقال كاملا)

أربعاء, 24/07/2024 - 09:35

الكوري ولد أحميتي / سياسي و نائب سابق

نشرنا خلال الأيام الماضية الأجزاء الثلاثة من مقال " موريتانيا أولا " للقيادي الناصري و السياسي المعروف الكوري ولد احميتي و كان ذلك خلال فترة انقطاع الانترنت و لكن نظرا للطلب المتكرر لهذا الجزء أو ذاك نعيد نشره الآن بطريقة كاملة و متصلة 

 

 

موريتانيا أولا 

 

 

الجزء الأول / الوحدة الوطنية : التنوع العرقي و التفاوت الطبقي ..
 
الوحدة الوطنية هي الأساس المتين لبناء مجتمع قوي ومتماسك، إنها العمود الفقري الذي يعزز من قوة الدولة ويضمن استقرارها وتقدمها، فمن خلال الوحدة الوطنية، يمكن للأفراد من مختلف الخلفيات الاجتماعية والثقافية أن يتعاونوا ويتحدوا لتحقيق الأهداف المشتركة. فالوحدة الوطنية ليست مجرد مفهوم نظري، بل هي حاجة ملحة لتجاوز التحديات والأزمات التي قد تواجهها المجتمعات. 
فعندما تكون الأمة موحدة، تكون قادرة على مواجهة الصعوبات بروح التعاون والتضامن، مما يؤدي إلى تعزيز الروابط الاجتماعية وتحقيق التنمية الشاملة. في هذا السياق، تتجلى أهمية الوحدة الوطنية كقيمة سامية تستحق أن تكون في صدارة الأولويات الوطنية لتحقيق مستقبل أكثر إشراقًا وازدهارًا للجميع.
 
وفي ظل السياق الراهن الذي تعيشه موريتانيا، تبرز قضية الوحدة الوطنية كعنصر حاسم للتقدم والاستقرار الشامل في البلاد. ورغم أن الاستقراء التاريخي للمسار الموريتاني بدا بدخول الإسلام عن طريق الحركة المرابطية مرورا بكل المحطات الحاسمة في التاريخ القديم والمتوسط، لقد ظل الشعب الموريتاني يعيش في تلاحم وتضامن، مدفوعًا بقيم دينية تعزز التسامح والمساواة، وتحقق التكافل بين أفراد المجتمع. وفي هذا السياق، يأتي دورنا اليوم في تعزيز هذه الوحدة ومواجهة التحديات التي تهدد بنية الوطن.
 
هذا الانسجام كفله المشترك الذي يوحد كل أطياف هذا المجتمع متمثلا في قيم الدين الإسلامي الحنيف الذي جاء برسالة محبة ومساواة، أساسها التآزر بين المسلمين. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، وقال أيضًا: "المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا". هذه القيم الراسخة هي التي تمسك بها الشعب الموريتاني بكل مكوناته حتى يومنا هذا.
 
ومن خرج عن هذه القيم دون الشجاعة لإعلان ذلك، مكتفيًا بالارتماء في أحضان أعداء الوطن، يجب أن يُحارب سياسيًا وثقافيًا واقتصاديًا بلا رحمة. ولا بد من وصفه بالزنديق الذي خان وطنه وقيمه، والعمل بكل الوسائل الممكنة لعزله وفضحه، فالزندقة انحراف ديني سواء كان سريا أو علنيا و انحراف وطني، فالزنديق كائن غريب مغترب عن بيئته منقطع الصلة بها تائه لا يعرف وجهته.
 
لذلك فالزنادقة إذا تفلتت من القيد الوطني الذي سجنت فيه تكون كرأس الأفعى لا تموت إلا بالقطع.
 
إن المساس بهذه الوحدة سيظل صعب المنال على المتربصين بها من أصحاب خطابات الحقد والكراهية داخليًا وخارجيًا، من طامعين في خيرات البلاد. 
ان موريتانيا لها رب يحميها وشعب شرس يعرف كيف يواجه أطماع الطامعين أيا كانوا.
 
وباستقراء التاريخ الحديث للجمهورية نجد الحركات السياسية القومية و الوطنية  في موريتانيا لعبت دورًا محوريًا في ترسيخ الروح الوطنية من خلال تفجير طاقات الشباب آنذاك وجعلهم يحملون مشعل الفكر والتغيير ، فقد ساهمت في تحويل الشباب إلى طليعة سياسية نشطة، تدفع النظام نحو قرارات هامة مثل إنشاء العملة الوطنية وتأميم ميفرما و إصلاح التعليم و ترسيم  اللغة العربية و تحقيق التعريب و ترسيم اللغات الوطنية الأخرى .
 
و أتذكر هنا في هذا السياق اليوم الذي كان يوما فارقا في تاريخنا الوطني يوم تأميم ميفرما حيث كنت أنا وبعض زملائي في السجن بأطار  على خلفية بعض المظاهرات و الاحتجاجات ضد النظام آنذاك، ومعنا بعض الرفاق من حركة الكادحين، حيث عمت علينا الفرحة بهذا الإنجاز الوطني رغم معارضتنا للنظام و تبايننا الفكري إلا أن اللحظات الفارقة في تاريخ الوطن تجمع بعد التفرقة و لا صوت يعلو في تلك اللحظات سوى لحظات الوطن الجامع.
 
ولكننا اليوم للأسف، نلاحظ تراجعًا كبيرًا في اهتمامات الشباب بالقضايا الوطنية، مع ميلهم المفرط إلى الشكليات المادية واتباع مسلكيات تبتعد بهم شيئًا فشيئًا عن القضايا الوطنية الكبرى. هذا التراجع هو أخطر ما يهدد البلاد اليوم .
 
إن الحلول الجذرية حسب اعتقادنا تبدأ بخلق وعي وطني يكون الضامن الأساسي لحماية وحدة البلاد أرضًا وشعبًا. و يجب أن يبدأ هذا الوعي من الأسرة ثم المدرسة على كافة مستوياتها من خلال برنامج للتربية المدنية اساسه مفاهيم المواطنة، وينتهي بالتأطير السياسي على مستوى الأحزاب، التي يجب أن تكون لها مرجعيات فكرية بعيدة عن التقوقع حول الأشخاص، ، بشرط أن يحتكم الكل إلى الحل الديمقراطي الذي ينسجم مع الضوابط الديمقراطية المعروفة عالميًا.
 
كذلك الحفاظ على المشترك الوطني من خلال التشبث بقيمنا الدينية والحضارية الحميدة، مع التمسك بالروح الوطنية التي يجب أن تتحكم في سلوك الجميع، وهو أكثر ما يوحدنا ويضمن تماسك شعبنا. هذا التشبث يجب أن يخضع لاعتراف كل واحد منا بحقوق الآخر، وعدم لجوء أي منا إلى الاستقواء بالأجنبي. 
 
فالحالة الموريتانية المتميزة بالارتباط الديني والتداخل السكاني الناتج عن عامل الجغرافيا، كملكية الأرض (الملكية التقليدية)، تظل عنصر وحدة فهذان العاملان سيظلان يقفان مانعًا طبيعيًا أمام أية محاولة لتقسيم البلاد. وعليه، يبقى الدين والجغرافيا أكبر حامي لهذه الوحدة، مع أنه يجب احترام حقوق الجميع، سواء كانوا أقلية أو أكثرية.
فمحاولة المساس بوحدتنا وتماسك شعبنا ستظل عصية على المتاجرين، لأنها ليست بضاعة تباع، بل هي صخرة ستتحطم عليها كل محاولات الأعداء، أياً كانوا، وأياً كانت الجهات الموجهة لهم، كما كان الحال في الماضي.
 
فأولئك الذين فضلوا استغلال التنوع العرقي لشعبنا لتحويله إلى أداة تفرقة بدل أن يكون عنصر قوة لنا، كما كان في الماضي، إنما يقومون بذلك نتيجة جهلهم للانسجام الذي ظل قائماً بين مكوناته على مر التاريخ، والذي مكنه من مواجهة المستعمر للدفاع عن الوطن، كل حسب وسائله. مما مكنه من الحفاظ على هويته الحضارية. وكذلك التحالفات السياسية التي كانت تقام في البلاد قبل مجيء الاستعمار لم تأخذ يومًا من الأيام بعين الاعتبار الانتماء العرقي. 
فباستقراء التاريخ كثيرًا ما نجد قبائل زنجية تدخل في تحالفات مع قبائل عربية بالمفهوم المجتمعي ضد قبائل عربية أخرى، والعكس صحيح. وقد تصل هذه التحالفات إلى إلغاء الدية بين المجموعة العربية والمجموعات الزنجية المتحالفة معها.
 
فالتسميات الموجودة الآن داخل المجتمع الموريتاني، مثل: عرب وزوايا وطلبة و ازناكة و احراطين و امعلمين، إلى غير ذلك من التسميات التي لا مدلول لها عرقيًا وإنما هي تقسيمات خلقتها البيئة الصحراوية لتقسيم الأدوار ولا علاقة لها بعرق ولا بلون، هي تقسيمات موجودة في كل مكونات الشعوب الأخرى بمصطلحات مختلفة. لكن البعض، وخاصة في الغرب، يريد استغلالها بإعطائها مدلولات اجتماعية وحتى سياسية في بعض الأحيان، والدفع بعملائه في البلاد إلى إعطائها معاني يمكن استغلالها في حالات معينة لزعزعة الاستقرار في البلاد للضغط على الحكومات الموريتانية. 
 
فالمحاولات البغيضة التي تسعى إلى استغلال التفاوت الطبقي داخل المجتمع الموريتاني، تعود أسبابه إلى الماضي البعيد. إذ جاء نتيجة عامل القوة وغياب سلطة مركزية في البلاد قادرة على فرض القانون وإعطاء كل ذي حق حقه. هذه الممارسات يتفق الجميع على إدانتها 
، ولا علاقة لها باللون أو العرق. فإثارتها كظاهرة تدين البعض لصالح الآخر لا يمكن تبريرها بأي منطق فكري أو سياسي.
أما أن يكون اللون أساسًا يبنى عليه الانتماء في موريتانيا فهو منطق أعوج وغير سليم لا تاريخيا ولا  واقعيا فهناك قبائل عربية عريقة ذات بشرة سوداء، وتمثل نسبة كبيرة من السكان في اترارزة و كوركل و لبراكنة والحوض الشرقي، فالبشرة لا تدل على شيء عندنا في موريتانيا، وهنا لابد أن يعرف المهرولون أن هذا الوطن الذي منَّ الله عليه بالمشترك الإسلامي، والذي ظل متماسكًا بفضله على مر التاريخ، سيبقى كذلك مهما حاول أعداؤه.
 
 
أما الانتماء الفئوي الذي يلعب عليه البعض الآن بإملاءات من مسيريهم الخارجين بوقاحة تجاوزت كل الحدود، فلن يفيد أصحابه.
 فهذا الانتماء لا يمكن أن يحل محل الانتماء القومي الذي أساسه الانتماء الحضاري الهوياتي.  وبالتالي، فإن خطاباتهم لن تجد من يستمع إليها، وسينطبق عليهم المثل القائل: "القافلة تسير والكلاب تنبح". فالعبودية ظاهرة اجتماعية مرت بها كل الشعوب  ينبغي النظر اليها في سياقها التاريخي الموضوعي و معالجة آثارها الراهنة عن طريق تذويب الفوارق الاجتماعية من خلال إصلاحات اقتصادية واجتماعية كبرى توفر فرص عمل لضحاياها من أجل حياة كريمة، ولأمثالهم من المجموعات الهشة  الأخرى,كل ذلك على أساس انها قضية مجتمع و ليست قضية حكومة .
 
 
فموريتانيا بلد غني بثرواته الطبيعية، وهو ما يجعله وجهة للطامعين من قوى غربية ما زالت تصر على الاستمرار في نهب ثروات العالم الثالث. ودليل ذلك ما حصل في العراق و ليبيا اللتين قاموا بقتل زعيميهما المغفور لهما بإذن الله  القائد معمر القذافي و صدام حسين . 
 
 
وعليه فالواقعية تقتضي منا النظر الى الوضعية الإقليمية لموريتانيا حيث نجد أنها تقع في منطقة تشهد تحديات أمنية متزايدة، بما في ذلك الإرهاب والتهريب عبر الحدود والجريمة المنظمة والهجرة السرية. ووجود الثروة والتمدد الصهيوني فهذه التحديات تجعل من الضروري تعزيز القدرات الدفاعية والأمنية للدولة لضمان حماية الحدود ومكافحة التهديدات الأمنية يرافقها برنامج واسع ومحكم للمرتنة. كما أن الموقع الجغرافي الاستراتيجي لموريتانيا يتطلب وجود قوات مسلحة قوية قادرة على الردع وحماية المصالح الوطنية.

 

 

 

الجزء الثاني : محاربة العبودية و  حركة الحر ، مقترحات للنهوض بالشباب و الاقتصاد )
 
 فيما يتعلق بمحاربة العبودية و مخلفاتها تجب الإشادة بالدور المتميز والفعال الذي قام به مؤسسو حركة الحر منذ السبعينات وحتى الآن أمثال مسعود ول بلخير و محمد ولد الحيمر و بيجل ول حميد و عاشور ول صمب و اسغير ول امبارك و بوبكر ول مسعود و كل مناضلي و مناضلات الحركة في إنهاء مظاهر الظلم التي كانت متفشية في البلاد. هؤلاء الرواد، بدعم من القوى التحررية الوطنية، عملوا بلا كلل من أجل تحقيق العدالة والمساواة، وكانوا مناضلين حقيقيين ومخلصين لمبادئهم.
 
لقد كانت حركة الحر مثالًا للتضحية والتفاني في سبيل تحقيق انعتاق العبيد السابقين، حيث تجاوزت الجهود المبذولة الحدود التقليدية للنضال ضد العبودية، لتصبح حركة شاملة تهدف إلى تحرير الإنسان الموريتاني من كافة أشكال استغلال الإنسان لأخيه الإنسان. وما يميز نضال هذه الحركة هو رفضها القاطع للإملاءات الخارجية و  ربط القضية بعرق أو لون، حيث انصب تركيزها على الإنسان بصفته الإنسانية فقط.
 
من خلال التزامهم العميق بالقيم الإنسانية السامية، نجح مؤسسو حركة الحر في بناء جسر من التفاهم والتعاون بين مختلف فئات المجتمع الموريتاني، مما ساهم في تعزيز الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي. إن إرثهم النضالي يجب أن يظل مصدر إلهام للأجيال الحالية والمستقبلية لمواصلة العمل من أجل مجتمع أكثر عدلاً ومساواة, وقد آزرتهم في هذا المجال الحركات السياسية القومية كالبعثين و الناصرين و الكادحين و كان للناصرين دورا متميزا في هذا المجال حيث أطلقوا منذ 1977م حملات واسعة كان عنونها "متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا"
وقد شملت هذه الحملة الكبرى  مناطق واسعة من موريتانيا وخاصة الشمالية و نواكشوط و الحوضين و قد وجدت مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذه التي اختيرت لتكون عنوان الحملة تقبلا واسعا داخل صفوف الشباب آنذاك مما ساهم في نشر ثقافة الحوار و اظاهر ان العبودية سلوكا غير أخلاقي يجب التنديد به و قد أسس هذا العمل لمواقف كان لها أثرها الإيجابي مثل وقوف الناصرين مع معتقلي الحر سنة 1980 م من طرف هيدالة و التفاهمات التي حصلت خلال تحضير مؤتمر اتحاد العمال الموريتاني سنة 1981م و القيادة المنبثقة عنه و كذلك تكوينة التحالف الشعبي التقدمي بقيادة الزعيم الوطني مسعود ولد بالخير , و يعود نجاح هذا العمل الى كونه كان مجهودا وطنيا مخلصا هدفه خدمة الوطن بعيدا عن الأغراض الشخصية فأصحابه من الطرفين كان هدفهم الوحيد حصول انسجام بين القوى الوطنية في البلاد في ظل عدالة اجتماعية حقيقية اما أولئك الذين لا يبحثون الا عن المال مهما كانت الوسائل فيجب عدم التساهل معهم.و ما حصل من تفاهم بين الناصرين و الحر حصل أيضا بينهم و القومين الزنوج في اتحاد الطلاب الموريتانيين سنة 1983م حيث تمكنوا من تنسيق مواقفهم في مؤتمر الاتحاد و اختيار قيادة مشتركة بينهما كان رئيسها من الناصريين و أمينها العام من الإخوة الهالبولار و كان بالإمكان مواصلة هذا النهج لان الخلاف يجب ان يظل بين ما هو وطني و ما هو أجنبي لولا بعض القوى السياسية التي لا تريد للقوميين من عرب و أفارقة أن يلتقوا للسير بالبلد الى الأمام بعيدا عن المناكفات العرقية , وقد تمكنت آنذاك من تعكير الأجواء للنيل من هذا التنسيق و هو عمل يمكن القيام به حاليا بعيدا عن المواقف المتطرفة  

 

مواضيع أخرى

 

شركة TGS تحصل على ترخيص لإجراء مسوح زلزالية قبالة سواحل موريتانيا

 

موريتانيا تمنح شركة أسترالية الموافقة لاستخراج اليورانيوم دون حد للإنتاج

 

الولايات المتحدة تقيّد منح التأشيرات لمسؤولي وكالات السفر المتورطة في تسهيل سفر المهاجرين

 

دراسة هندسية: منجم "أطوماي" في الزويرات يحوي 500 مليون طن من خام الحديد

 

لافروف: روسيا مستعدة للتنسيق مع موريتانيا حول الأمن في الصحراء والساحل

 

الاتحاد الإماراتية / «معدن العرفان» واحة قائمة على الأخوة والتسامح والعمل في موريتانيا

موريتانيا أولا / الكاتب و السياسي الكوري ولد أحميتي ( المقال كاملا)

أربعاء, 24/07/2024 - 09:35

 

الكوري ولد أحميتي / سياسي و نائب سابق

 

نشرنا خلال الأيام الماضية الأجزاء الثلاثة من مقال " موريتانيا أولا " للقيادي الناصري و السياسي المعروف الكوري ولد احميتي و كان ذلك خلال فترة انقطاع الانترنت و لكن نظرا للطلب المتكرر لهذا الجزء أو ذاك نعيد نشره الآن بطريقة كاملة و متصلة 

 

 

 

 

 

موريتانيا أولا 

 

 

 

 

 

الجزء الأول / الوحدة الوطنية : التنوع العرقي و التفاوت الطبقي ..

 

الوحدة الوطنية هي الأساس المتين لبناء مجتمع قوي ومتماسك، إنها العمود الفقري الذي يعزز من قوة الدولة ويضمن استقرارها وتقدمها، فمن خلال الوحدة الوطنية، يمكن للأفراد من مختلف الخلفيات الاجتماعية والثقافية أن يتعاونوا ويتحدوا لتحقيق الأهداف المشتركة. فالوحدة الوطنية ليست مجرد مفهوم نظري، بل هي حاجة ملحة لتجاوز التحديات والأزمات التي قد تواجهها المجتمعات. 

فعندما تكون الأمة موحدة، تكون قادرة على مواجهة الصعوبات بروح التعاون والتضامن، مما يؤدي إلى تعزيز الروابط الاجتماعية وتحقيق التنمية الشاملة. في هذا السياق، تتجلى أهمية الوحدة الوطنية كقيمة سامية تستحق أن تكون في صدارة الأولويات الوطنية لتحقيق مستقبل أكثر إشراقًا وازدهارًا للجميع.

 

وفي ظل السياق الراهن الذي تعيشه موريتانيا، تبرز قضية الوحدة الوطنية كعنصر حاسم للتقدم والاستقرار الشامل في البلاد. ورغم أن الاستقراء التاريخي للمسار الموريتاني بدا بدخول الإسلام عن طريق الحركة المرابطية مرورا بكل المحطات الحاسمة في التاريخ القديم والمتوسط، لقد ظل الشعب الموريتاني يعيش في تلاحم وتضامن، مدفوعًا بقيم دينية تعزز التسامح والمساواة، وتحقق التكافل بين أفراد المجتمع. وفي هذا السياق، يأتي دورنا اليوم في تعزيز هذه الوحدة ومواجهة التحديات التي تهدد بنية الوطن.

 

هذا الانسجام كفله المشترك الذي يوحد كل أطياف هذا المجتمع متمثلا في قيم الدين الإسلامي الحنيف الذي جاء برسالة محبة ومساواة، أساسها التآزر بين المسلمين. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، وقال أيضًا: "المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا". هذه القيم الراسخة هي التي تمسك بها الشعب الموريتاني بكل مكوناته حتى يومنا هذا.

 

ومن خرج عن هذه القيم دون الشجاعة لإعلان ذلك، مكتفيًا بالارتماء في أحضان أعداء الوطن، يجب أن يُحارب سياسيًا وثقافيًا واقتصاديًا بلا رحمة. ولا بد من وصفه بالزنديق الذي خان وطنه وقيمه، والعمل بكل الوسائل الممكنة لعزله وفضحه، فالزندقة انحراف ديني سواء كان سريا أو علنيا و انحراف وطني، فالزنديق كائن غريب مغترب عن بيئته منقطع الصلة بها تائه لا يعرف وجهته.

 

لذلك فالزنادقة إذا تفلتت من القيد الوطني الذي سجنت فيه تكون كرأس الأفعى لا تموت إلا بالقطع.

 

إن المساس بهذه الوحدة سيظل صعب المنال على المتربصين بها من أصحاب خطابات الحقد والكراهية داخليًا وخارجيًا، من طامعين في خيرات البلاد. 

ان موريتانيا لها رب يحميها وشعب شرس يعرف كيف يواجه أطماع الطامعين أيا كانوا.

 

وباستقراء التاريخ الحديث للجمهورية نجد الحركات السياسية القومية و الوطنية في موريتانيا لعبت دورًا محوريًا في ترسيخ الروح الوطنية من خلال تفجير طاقات الشباب آنذاك وجعلهم يحملون مشعل الفكر والتغيير ، فقد ساهمت في تحويل الشباب إلى طليعة سياسية نشطة، تدفع النظام نحو قرارات هامة مثل إنشاء العملة الوطنية وتأميم ميفرما و إصلاح التعليم و ترسيم اللغة العربية و تحقيق التعريب و ترسيم اللغات الوطنية الأخرى .

 

و أتذكر هنا في هذا السياق اليوم الذي كان يوما فارقا في تاريخنا الوطني يوم تأميم ميفرما حيث كنت أنا وبعض زملائي في السجن بأطار على خلفية بعض المظاهرات و الاحتجاجات ضد النظام آنذاك، ومعنا بعض الرفاق من حركة الكادحين، حيث عمت علينا الفرحة بهذا الإنجاز الوطني رغم معارضتنا للنظام و تبايننا الفكري إلا أن اللحظات الفارقة في تاريخ الوطن تجمع بعد التفرقة و لا صوت يعلو في تلك اللحظات سوى لحظات الوطن الجامع.

 

ولكننا اليوم للأسف، نلاحظ تراجعًا كبيرًا في اهتمامات الشباب بالقضايا الوطنية، مع ميلهم المفرط إلى الشكليات المادية واتباع مسلكيات تبتعد بهم شيئًا فشيئًا عن القضايا الوطنية الكبرى. هذا التراجع هو أخطر ما يهدد البلاد اليوم .

 

إن الحلول الجذرية حسب اعتقادنا تبدأ بخلق وعي وطني يكون الضامن الأساسي لحماية وحدة البلاد أرضًا وشعبًا. و يجب أن يبدأ هذا الوعي من الأسرة ثم المدرسة على كافة مستوياتها من خلال برنامج للتربية المدنية اساسه مفاهيم المواطنة، وينتهي بالتأطير السياسي على مستوى الأحزاب، التي يجب أن تكون لها مرجعيات فكرية بعيدة عن التقوقع حول الأشخاص، ، بشرط أن يحتكم الكل إلى الحل الديمقراطي الذي ينسجم مع الضوابط الديمقراطية المعروفة عالميًا.

 

كذلك الحفاظ على المشترك الوطني من خلال التشبث بقيمنا الدينية والحضارية الحميدة، مع التمسك بالروح الوطنية التي يجب أن تتحكم في سلوك الجميع، وهو أكثر ما يوحدنا ويضمن تماسك شعبنا. هذا التشبث يجب أن يخضع لاعتراف كل واحد منا بحقوق الآخر، وعدم لجوء أي منا إلى الاستقواء بالأجنبي. 

 

فالحالة الموريتانية المتميزة بالارتباط الديني والتداخل السكاني الناتج عن عامل الجغرافيا، كملكية الأرض (الملكية التقليدية)، تظل عنصر وحدة فهذان العاملان سيظلان يقفان مانعًا طبيعيًا أمام أية محاولة لتقسيم البلاد. وعليه، يبقى الدين والجغرافيا أكبر حامي لهذه الوحدة، مع أنه يجب احترام حقوق الجميع، سواء كانوا أقلية أو أكثرية.

فمحاولة المساس بوحدتنا وتماسك شعبنا ستظل عصية على المتاجرين، لأنها ليست بضاعة تباع، بل هي صخرة ستتحطم عليها كل محاولات الأعداء، أياً كانوا، وأياً كانت الجهات الموجهة لهم، كما كان الحال في الماضي.

 

فأولئك الذين فضلوا استغلال التنوع العرقي لشعبنا لتحويله إلى أداة تفرقة بدل أن يكون عنصر قوة لنا، كما كان في الماضي، إنما يقومون بذلك نتيجة جهلهم للانسجام الذي ظل قائماً بين مكوناته على مر التاريخ، والذي مكنه من مواجهة المستعمر للدفاع عن الوطن، كل حسب وسائله. مما مكنه من الحفاظ على هويته الحضارية. وكذلك التحالفات السياسية التي كانت تقام في البلاد قبل مجيء الاستعمار لم تأخذ يومًا من الأيام بعين الاعتبار الانتماء العرقي. 

فباستقراء التاريخ كثيرًا ما نجد قبائل زنجية تدخل في تحالفات مع قبائل عربية بالمفهوم المجتمعي ضد قبائل عربية أخرى، والعكس صحيح. وقد تصل هذه التحالفات إلى إلغاء الدية بين المجموعة العربية والمجموعات الزنجية المتحالفة معها.

 

فالتسميات الموجودة الآن داخل المجتمع الموريتاني، مثل: عرب وزوايا وطلبة و ازناكة و احراطين و امعلمين، إلى غير ذلك من التسميات التي لا مدلول لها عرقيًا وإنما هي تقسيمات خلقتها البيئة الصحراوية لتقسيم الأدوار ولا علاقة لها بعرق ولا بلون، هي تقسيمات موجودة في كل مكونات الشعوب الأخرى بمصطلحات مختلفة. لكن البعض، وخاصة في الغرب، يريد استغلالها بإعطائها مدلولات اجتماعية وحتى سياسية في بعض الأحيان، والدفع بعملائه في البلاد إلى إعطائها معاني يمكن استغلالها في حالات معينة لزعزعة الاستقرار في البلاد للضغط على الحكومات الموريتانية. 

 

فالمحاولات البغيضة التي تسعى إلى استغلال التفاوت الطبقي داخل المجتمع الموريتاني، تعود أسبابه إلى الماضي البعيد. إذ جاء نتيجة عامل القوة وغياب سلطة مركزية في البلاد قادرة على فرض القانون وإعطاء كل ذي حق حقه. هذه الممارسات يتفق الجميع على إدانتها 

، ولا علاقة لها باللون أو العرق. فإثارتها كظاهرة تدين البعض لصالح الآخر لا يمكن تبريرها بأي منطق فكري أو سياسي.

أما أن يكون اللون أساسًا يبنى عليه الانتماء في موريتانيا فهو منطق أعوج وغير سليم لا تاريخيا ولا واقعيا فهناك قبائل عربية عريقة ذات بشرة سوداء، وتمثل نسبة كبيرة من السكان في اترارزة و كوركل و لبراكنة والحوض الشرقي، فالبشرة لا تدل على شيء عندنا في موريتانيا، وهنا لابد أن يعرف المهرولون أن هذا الوطن الذي منَّ الله عليه بالمشترك الإسلامي، والذي ظل متماسكًا بفضله على مر التاريخ، سيبقى كذلك مهما حاول أعداؤه.

 

 

أما الانتماء الفئوي الذي يلعب عليه البعض الآن بإملاءات من مسيريهم الخارجين بوقاحة تجاوزت كل الحدود، فلن يفيد أصحابه.

 فهذا الانتماء لا يمكن أن يحل محل الانتماء القومي الذي أساسه الانتماء الحضاري الهوياتي. وبالتالي، فإن خطاباتهم لن تجد من يستمع إليها، وسينطبق عليهم المثل القائل: "القافلة تسير والكلاب تنبح". فالعبودية ظاهرة اجتماعية مرت بها كل الشعوب ينبغي النظر اليها في سياقها التاريخي الموضوعي و معالجة آثارها الراهنة عن طريق تذويب الفوارق الاجتماعية من خلال إصلاحات اقتصادية واجتماعية كبرى توفر فرص عمل لضحاياها من أجل حياة كريمة، ولأمثالهم من المجموعات الهشة الأخرى,كل ذلك على أساس انها قضية مجتمع و ليست قضية حكومة .

 

 

فموريتانيا بلد غني بثرواته الطبيعية، وهو ما يجعله وجهة للطامعين من قوى غربية ما زالت تصر على الاستمرار في نهب ثروات العالم الثالث. ودليل ذلك ما حصل في العراق و ليبيا اللتين قاموا بقتل زعيميهما المغفور لهما بإذن الله القائد معمر القذافي و صدام حسين . 

 

 

وعليه فالواقعية تقتضي منا النظر الى الوضعية الإقليمية لموريتانيا حيث نجد أنها تقع في منطقة تشهد تحديات أمنية متزايدة، بما في ذلك الإرهاب والتهريب عبر الحدود والجريمة المنظمة والهجرة السرية. ووجود الثروة والتمدد الصهيوني فهذه التحديات تجعل من الضروري تعزيز القدرات الدفاعية والأمنية للدولة لضمان حماية الحدود ومكافحة التهديدات الأمنية يرافقها برنامج واسع ومحكم للمرتنة. كما أن الموقع الجغرافي الاستراتيجي لموريتانيا يتطلب وجود قوات مسلحة قوية قادرة على الردع وحماية المصالح الوطنية.

 

 

 

 

 

 

 

الجزء الثاني : محاربة العبودية و حركة الحر ، مقترحات للنهوض بالشباب و الاقتصاد )

 

 فيما يتعلق بمحاربة العبودية و مخلفاتها تجب الإشادة بالدور المتميز والفعال الذي قام به مؤسسو حركة الحر منذ السبعينات وحتى الآن أمثال مسعود ول بلخير و محمد ولد الحيمر و بيجل ول حميد و عاشور ول صمب و اسغير ول امبارك و بوبكر ول مسعود و كل مناضلي و مناضلات الحركة في إنهاء مظاهر الظلم التي كانت متفشية في البلاد. هؤلاء الرواد، بدعم من القوى التحررية الوطنية، عملوا بلا كلل من أجل تحقيق العدالة والمساواة، وكانوا مناضلين حقيقيين ومخلصين لمبادئهم.

 

لقد كانت حركة الحر مثالًا للتضحية والتفاني في سبيل تحقيق انعتاق العبيد السابقين، حيث تجاوزت الجهود المبذولة الحدود التقليدية للنضال ضد العبودية، لتصبح حركة شاملة تهدف إلى تحرير الإنسان الموريتاني من كافة أشكال استغلال الإنسان لأخيه الإنسان. وما يميز نضال هذه الحركة هو رفضها القاطع للإملاءات الخارجية و ربط القضية بعرق أو لون، حيث انصب تركيزها على الإنسان بصفته الإنسانية فقط.

 

من خلال التزامهم العميق بالقيم الإنسانية السامية، نجح مؤسسو حركة الحر في بناء جسر من التفاهم والتعاون بين مختلف فئات المجتمع الموريتاني، مما ساهم في تعزيز الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي. إن إرثهم النضالي يجب أن يظل مصدر إلهام للأجيال الحالية والمستقبلية لمواصلة العمل من أجل مجتمع أكثر عدلاً ومساواة, وقد آزرتهم في هذا المجال الحركات السياسية القومية كالبعثين و الناصرين و الكادحين و كان للناصرين دورا متميزا في هذا المجال حيث أطلقوا منذ 1977م حملات واسعة كان عنونها "متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا"

وقد شملت هذه الحملة الكبرى مناطق واسعة من موريتانيا وخاصة الشمالية و نواكشوط و الحوضين و قد وجدت مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذه التي اختيرت لتكون عنوان الحملة تقبلا واسعا داخل صفوف الشباب آنذاك مما ساهم في نشر ثقافة الحوار و اظاهر ان العبودية سلوكا غير أخلاقي يجب التنديد به و قد أسس هذا العمل لمواقف كان لها أثرها الإيجابي مثل وقوف الناصرين مع معتقلي الحر سنة 1980 م من طرف هيدالة و التفاهمات التي حصلت خلال تحضير مؤتمر اتحاد العمال الموريتاني سنة 1981م و القيادة المنبثقة عنه و كذلك تكوينة التحالف الشعبي التقدمي بقيادة الزعيم الوطني مسعود ولد بالخير , و يعود نجاح هذا العمل الى كونه كان مجهودا وطنيا مخلصا هدفه خدمة الوطن بعيدا عن الأغراض الشخصية فأصحابه من الطرفين كان هدفهم الوحيد حصول انسجام بين القوى الوطنية في البلاد في ظل عدالة اجتماعية حقيقية اما أولئك الذين لا يبحثون الا عن المال مهما كانت الوسائل فيجب عدم التساهل معهم.و ما حصل من تفاهم بين الناصرين و الحر حصل أيضا بينهم و القومين الزنوج في اتحاد الطلاب الموريتانيين سنة 1983م حيث تمكنوا من تنسيق مواقفهم في مؤتمر الاتحاد و اختيار قيادة مشتركة بينهما كان رئيسها من الناصريين و أمينها العام من الإخوة الهالبولار و كان بالإمكان مواصلة هذا النهج لان الخلاف يجب ان يظل بين ما هو وطني و ما هو أجنبي لولا بعض القوى السياسية التي لا تريد للقوميين من عرب و أفارقة أن يلتقوا للسير بالبلد الى الأمام بعيدا عن المناكفات العرقية , وقد تمكنت آنذاك من تعكير الأجواء للنيل من هذا التنسيق و هو عمل يمكن القيام به حاليا بعيدا عن المواقف المتطرفة  

 

وهذا السياق يجعلنا أمام ضرورة معالجة إشكالات اجتماعية للحفاظ على وحدتنا الوطنية وتنمية مشتركاتنا الاجتماعية ومن أجل خلق مجتمع محصن أمام دعوات التفرقة المتخمة بالمال الأجنبي.

وفي إطار الدفاع عن المجموعات الهشة لابد من التركيز على فئة الشباب في هذه المأمورية لتمكينهم من تحقيق مستقبل أفضل لهم و للأجيال القادمة .

من هذا المنطلق أقول أن الشباب هو وقود أية فكرة جديدة تطرفية لانعدام جدار العلم و المعرفة و التجربة و حداثة المنطلقات الفكرية إن وجدت،

فرؤيتنا لأهمية الشباب كركيزة أساسية لبناء مستقبل مشرق للبلاد من خلال العمل المشترك وتبادل الخبرات، يمكننا تحقيق الأهداف الطموحة لهذه الرؤية، وبناء جيل واعٍ ومؤهل قادر على قيادة البلاد نحو المزيد من التقدم والازدهار.

 

وكأرضية للفكرة ولمواجهة سهولة التغرير بالشباب من طرف دعاة العنصرية والتفرقة، يتطلب الأمر تنفيذ برامج توجيه وإرشاد واسعة النطاق وشاملة. هذه البرامج يجب أن تتضمن التكوين الديني والذي يعد قاسمًا مشتركًا حقيقيًا يجمع المجتمع بمختلف فئاته، ومدني مما يعزز الروابط الاجتماعية ويغرس القيم الأخلاقية المشتركة التي تساهم في خلق بيئة من التفاهم والوحدة.

 

إضافة إلى ذلك، يجب التركيز بشكل مكثف على سياسة التشغيل والتكوين المهني. هذا يتطلب توفير فرص عمل حقيقية ومستدامة تساعد الشباب على بناء مستقبلهم وتحقيق طموحاتهم.

فالتدريب المهني يساهم في تطوير مهاراتهم العملية ويجعلهم أكثر تأهيلاً لسوق العمل، مما يقلل من معدلات البطالة ويعزز من استقلاليتهم الاقتصادية. هذه الخطوات تكون بمثابة حاجز ضد الانجرار إلى الأفكار المتطرفة أو السلوكيات الضارة.

وكذلك تحويل عقود تشغيل الشباب مقدمي الخدمات في كافة المجالات إلى عقود دائمة إذ سيمثل هذا القرار إذا ما اتخذ خطوة مهمة لتعزيز استقرارهم المهني والاقتصادي والمالي وهو إجراء ليست له انعكاسات مالية .

وفي مجال التأطير والتوجيه تبقى مكافحة المخدرات من أكبر التحديات التي تواجه الشباب اليوم. فيجب تبني نهج شامل يشمل التوعية المستمرة حول مخاطر المخدرات وتوفير برامج علاجية ودعم نفسي للأفراد المتضررين. و كذلك التوعية والتدخل المبكر يمكن أن يساعدا في منع انتشار هذه الآفة وحماية الشباب من الوقوع في براثنها يضاف الى ذلك ضرورة تنظيم الأسرة بما قد يوفر ذلك من وسائل للآباء لتربية أبناءهم بأريحية .

هذه السياسات المتكاملة، من التوجيه الديني والتشغيل المهني إلى مكافحة المخدرات، سوف تساعد على توجيه الشباب نحو مسار صحيح ومستقيم و من خلال ذلك، يمكننا تعزيز الانسجام الاجتماعي مما يساهم في استقرار البلاد. عندما يشعر الشباب بأنهم جزء من مجتمع يدعمهم ويوفر لهم الفرص للنمو والتقدم، يصبحون أكثر التزامًا بالمساهمة الإيجابية في بناء وطنهم.

من الضروري أن تنصب جهود جميع الجهات المعنية، سواء كانت حكومية أو مجتمعية أو أسرية، لضمان تنفيذ هذه البرامج بفعالية. يجب أن يكون هناك دعم مستمر وتعاون مشترك لتقديم الدعم والإرشاد للشباب في جميع مراحل حياتهم. من خلال هذا النهج الشامل والمتكامل، يمكننا بناء جيل قوي وواعٍ يساهم في تحقيق التقدم والازدهار الوطني، ويعزز من الوحدة والاستقرار في المجتمع.

 

أيضا يجب أن يرتكز الاهتمام بطاقة الشباب واستخدامها في تطوير المواد الأولية في البلاد كالحديد والذهب والنحاس والسمك والألبان والجلود والزراعة.

ويجب أن يتم تصميم هذه المشاريع بيد وطنية مؤتمنة وبتمويلات وطنية وأجنبية بهدف إحداث تغيير إيجابي في وضعية الحياة في البلاد، مما يوفر فرص عمل للكل فالعنصر البشري هو هدف التنمية ومحركها

لكن هذا المسار لا تكون مسالكه متاحة إلا بتوفير الأمن فالأمن هو ضمان وركيزة أساسية للوحدة الوطنية. إذ لا يمكن لأي مجتمع أن ينعم بالتقدم والازدهار دون أمن واستقرار يضمن سلامة المواطنين ويعزز الثقة بين أفراد المجتمع الواحد. الأمن ليس مجرد غياب العنف، بل هو حالة من الطمأنينة والاستقرار التي تمكن الأفراد من العيش بسلام والعمل على تحقيق أهدافهم وطموحاتهم دون خوف أو قلق. فالحفاظ على الأمن يعزز الوحدة الوطنية ويجعلها أكثر تماسكًا وقوة في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.

في هذا السياق، تلعب المؤسسة العسكرية دورًا حيويًا ومحوريًا في الحفاظ على الأمن وتعزيز الوحدة الوطنية. فالجيش ليس فقط حامي الحدود والمدافع عن السيادة الوطنية، بل هو أيضًا صمام الأمان الذي يضمن استقرار الدولة ويحمي مؤسساتها الدستورية من التهديدات المختلفة و عليه لابد من وجود مؤسسة عسكرية قوية وفعالة لها شركاء دوليين متنوعين قادرين على مدها بالدعم المطلوب إن دعت الأمور الى ذلك, خاصة بعد الانهيار التام للمنظومة العربية بعد أن رأينا ما يحصل في فلسطين الذي قد يجرنا أن نطلب من الله ان يحمينا من أصدقائنا أما الأعداء فنحن كفيلون بهم .

وفي سياق التكوين و التأطير، يجب أن نذكر دور التعليم في تعزيز اللحمة الوطنية. فالتعليم هو الركيزة الأساسية التي يمكن من خلالها تعزيز قيم المواطنة والتعايش السلمي. لذلك يجب أن تحتوي المناهج الدراسية على مواد تعليمية تركز على تاريخ موريتانيا المشترك، والإنجازات الوطنية، والأبطال الوطنين، لتعزيز الفخر الوطني لدى الأجيال القادمة. كما يجب تعزيز التعليم باللغة الجامعة، إلى جانب اللغات الأجنبية، لتمكين الطلاب من فهم هويتهم الوطنية والعالم من حولهم، ومن هنا يجب تعميم المدرسة الجمهورية التي هي أساس لكل تعليم مؤسس على مفاهيم المواطنة.

فالتعليم هو الحاضن الشرعي للثقافة،و لقطع الطريق أمام دعاة التفرقة والجهل بخلق مجتمع ذا بعد ثقافي محصن.

وعلاوة على ذلك، يجب على وسائل الإعلام الوطنية أن تلعب دورًا أكبر في تعزيز اللحمة الوطنية من خلال تقديم برامج تثقيفية وإخبارية تركز على القضايا الوطنية المشتركة والإنجازات الوطنية. كما يمكن لوسائل الإعلام أن تكون منبرًا قويًا لنشر الوعي وتعزيز الفهم المتبادل بين مختلف مكونات المجتمع الموريتاني.

 

كما ينبغي أن نوفر منصات للنقاش والحوار بين أفراد المجتمع مهما كانت متباينة، حيث يمكن للجميع التعبير عن آرائهم ومشاركة تجاربهم ومقترحاتهم.

خلق برامج للتثقيف تتضمن تسليط الضوء على تاريخ البلاد وتنوعها الثقافي والاجتماعي، مما يعزز الوعي بالهوية الوطنية المشتركة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لوسائل الإعلام أن تلعب دورًا في تثقيف الشباب حول أهمية الوحدة الوطنية والعمل المشترك لتحقيق الأهداف الوطنية.

 

من خلال تبني نهج شامل ومتوازن، يمكن لوسائل الإعلام أن تساهم في بناء مجتمع متماسك ومتعاون بما يعزز التفاهم والاحترام المتبادل بين جميع مكونات المجتمع بما يعد خطوة أساسية نحو الاستقرار. وعندما يشعر الأفراد بأنهم جزء من مجتمع يقدرهم ويسعى لتحقيق رفاهيتهم، يصبحون أكثر استعدادًا للمساهمة بشكل إيجابي في بناء وطنهم والمشاركة في تحقيق أهدافه وطموحاته.

إن الوحدة الوطنية ليست مجرد شعار يُرفع في المناسبات الرسمية،بل هي قيمة جوهرية يجب أن تتجسد في سلوكياتنا اليومية وفي سياساتنا وممارساتنا. علينا جميعًا، كأفراد ومجتمع، أن نعمل على تعزيز هذه الوحدة وحمايتها من أي تهديدات داخلية أو خارجية.

 

يجب أن نكون واعين بالمحاولات التي تسعى إلى تفرقتنا وأن نقف صفًا واحدًا أمامها. فالتاريخ يثبت لنا أن الوحدة هي القوة التي تضمن استقرارنا وتقدمنا وازدهارنا. فالوحدة الوطنية تعني أن نضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، وأن نعمل معًا لتحقيق أهدافنا المشتركة، بغض النظر عن خلافاتنا, و نبتعد عن هواة التفرقة و المتاجرة بالمصالح الوطنية .

و لتعزيز الوحدة الوطنية، ينبغي أن نتبنى ممارسات تعزز من هذا المفهوم في حياتنا اليومية. من خلال التعاون والتعاطف والتفاهم المتبادل.

فيمكننا بناء مجتمع قوي ومتماسك. و يجب أن تكون سياساتنا موجهة نحو تحقيق العدالة والمساواة، وضمان أن يشعر كل فرد منا بأنه جزء لا يتجزأ من هذا الوطن.

كما أن الوحدة الوطنية تتطلب منا اليقظة الدائمة ضد أي محاولات للفتنة والتفرقة. و يجب علينا أن نكون حراسًا على هذه القيمة، ونعمل جاهدين لتوعية الآخرين بأهميتها. و أن نغرس هذه المفاهيم في أجيالنا القادمة , فالتعليم يلعب دورًا محوريًا في هذا السياق، حيث يمكننا من خلاله غرس مبادئ الوحدة والتضامن في نفوس الأجيال القادمة.

فالوحدة الوطنية ليست مجرد مفهوم نظري، بل هي واقع يجب أن نعيشه ونعمل من أجله كل يوم. هي الركيزة الأساسية التي يبنى عليها استقرارنا وازدهارنا. علينا أن نستمر في تعزيزها وحمايتها، لضمان مستقبل مشرق لوطننا وللأجيال القادمة

 

 

 

 

 

الجزء الثالث : المتغيرات الإقليمية و الدولية و تأثيرها على موريتانيا ، خاتمة

 

بالإضافة إلى ذلك، تعتبر موريتانيا غنية بالموارد الطبيعية مثل الغاز المعادن والثروة السمكية، والتي تشكل جزءًا كبيرًا من الاقتصاد الوطني. فحماية هذه الثروات تتطلب تأمين المناطق الغنية بالموارد وتوفير بيئة آمنة للاستثمار والتنمية. و عليه يصبح التعاون الدولي ضروريًا لتعزيز القدرات الأمنية والدفاعية، وضمان مراقبة وحماية الحدود البحرية والبرية بشكل فعال. و التعاون مع الدول الشقيقة و الصديقة.

فالعالم يشهد تحولات جذرية و تشكل جديد للقوى العالمية فأوروبا تشهد حالياً حالة من الانهيار نتيجة الحرب الأوكرانية وتداعيات طوفان الأقصى، حيث يتسبب هذان الحدثان في تصاعد حالة من عدم الاستقرار في القارة لصعوبة تكاليف تمويل هذين الحدثين اقتصاديا و ماليا هذا الوضع أدى إلى نشوء اتجاه جديد لا يمكن التكهن بشكله ولكنه سيكون نتيجة حتمية للاصطدام الدائر الآن بين الإرادة الشعبية ومنظومة الاستبداد في الغرب التي تسمي نفسها بالديمقراطية. 

 

فالاتحاد الأوروبي يعاني منذ عقود من مخلفات أزمة تموقع استراتيجي قائم على الولاء للتحالف الصهيوني الأمريكي، وليس على أساس مصالح الشعوب الأوروبية. فمنذ انهيار النخب الأوروبية في مشروع الصهيونية العالمية الذي بدأ بخطة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، تحكمت البنوك اليهودية في السياسات الأوروبية وصنعت الجيل الحالي من الساسة، حيث أضحت قادرة على تنصيب رؤساء الدول والحكومات كما تشاء مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك.

 

هذا التأثير العميق يعكس أزمة هيكلية تتجلى في هشاشة النظام الأوروبي وعدم قدرته على تلبية احتياجات شعوبه. ومع التحولات الكبيرة التي تشهدها القارة الأفريقية وصعود القوى الصينية والروسية في المنطقة،بالإضافة الى إنشاء مجموعة لبركست يزداد الضغط على أوروبا. فالمواطن الأوروبي لم يعد يتحمل تقليص المنافع الاقتصادية التي لم تعد الحكومات الأوروبية قادرة على توفيرها، نظراً لأن رفاه المواطن الأوروبي كان مرتبطاً بشكل كبير بنهب ثروات شعوب الجنوب وعليه كلما توسعت دائرة التمرد في دول الجنوب، تفاقمت الأزمة الاقتصادية في أوروبا.

إن ما يحصل في القارة الأفريقية من تحولات جذرية له تأثير مباشر على الأوضاع في أوروبا، حيث إن الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي كان يعتمد على استغلال موارد الدول النامية. ومع تصاعد النفوذ الصيني والروسي في أفريقيا، يواجه الاتحاد الأوروبي تحديات متزايدة في الحفاظ على موقعه الاستراتيجي وتحقيق مصالح شعوبه. فالمواطن الأوروبي بدأ يشعر بوطأة هذه التحولات، وأصبح يدرك أن النظام القائم لم يعد قادراً على توفير حياة كريمة له كما كان في السابق.

 

ونتيجة لتفجير أمريكا لخط الأنابيب الروسي المغذي لأوروبا، ارتفعت تكاليف الغاز الطبيعي المباع لأوروبا بشكل كبير. هذه الوضعية أدت إلى زيادة تكاليف الطاقة في القارة الأوروبية، وقد وصل الوضع الى عجز الحكومات عن تقديم خدمات الصحة و التعليم و غيرها مما زاد من الضغوط على اقتصاداتها المتضررة بالفعل من الأزمة الاقتصادية الحالية.

في ظل هذه الظروف، تتزايد حدة التوترات الاجتماعية والسياسية داخل الدول الأوروبية، مما ينذر بتحولات جذرية قد تعيد رسم خريطة القارة السياسية والاقتصادية. فأوروبا تقف اليوم على مفترق طرق تاريخي، حيث تفرض الأزمات المتلاحقة إعادة النظر في السياسات والاستراتيجيات المتبعة. فالتحول القادم قد يكون غير متوقع ومفاجئ، ولكنه سيكون حتمياً نتيجة الاصطدام المستمر بين الإرادة الشعبية ومنظومة الاستبداد التي تحاول الحفاظ على هيمنتها.

 

في الختام، يمكن القول إن أوروبا تواجه تحديات غير مسبوقة تتطلب تغييرات جذرية في النهج السياسي والاقتصادي و الأزمات الحالية، سواء كانت ناجمة عن تمويل الحرب الأوكرانية أو تداعيات تمويل إسرائيل في حربها ضد الإخوة الفلسطينيين فيما يعرف ب طوفان الأقصى، مروراً بالتحولات في القارة الأفريقية، تفرض واقعاً جديداً قد يعيد تشكيل النظام الأوروبي برمته. 

هذا التحول القادم لن يكون سهلاً، ولكنه قد يكون الفرصة الوحيدة لإعادة بناء أوروبا على أسس أكثر عدلاً وواقعية تراعي مصالح شعوبها وتستجيب لتطلعاتهم. و تبعدها عن سياسة الهيمنة الصهيونية الامريكية و يجب ان تكون فرصة لخلق بدائل تكون اكثر انصافا لبلادنا و ما حدث مؤخرا في منطقة الساحل دليل على ما قيل انفا

ختاما يمكن ان نخلص انه لا يمكننا التغافل عن ما يجري حولنا في هذا العالم و خصوصا ما يحصل في الإقليم الذي يحيط بنا 

و من جهة أخرى خلصنا ان الوحدة الوطنية من أهم الثوابت الوطنية التي لا يمكن تحقيق البناء والتقدم إلا بناء عليها، وهذا ما تؤكده تجارب النهضة وبناء الدولة في مختلف النماذج. فالدولة القومية الحديثة التي نشأت في أوروبا منذ قرون، قامت على أساس تثبيت أركان "الوحدة الوطنية" بها، أو ما سمي بالوحدة القومية في حالتها. تؤكد النماذج الأخرى في مختلف القارات، من أمريكا إلى اليابان، ومن الصين والهند إلى المكسيك والبرازيل على ضرورة التمسك بالوحدة الوطنية وأولوياتها في عملية البناء والتنمية.

ويكتسب مفهوم الوحدة الوطنية أهميته المركزية من علاقته بعدة عمليات مثل بناء الدولة الحديثة، والإصلاح والتطور. وهي العمليات التي تتخذها الدول التي تسعى إلى النهضة والتقدم. ذلك أن الوحدة الوطنية تشكل بنية أساسية لكلا العمليتين في وقت واحد.

 

وللمحافظة على الوحدة الوطنية يحتاج الأمر إلى العقلانية وتبنى شعارات "الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة"، والتأكيد على أصالة التجربة، وخصوصيتها، التي تدور حول التسامح بيننا كأفراد وجماعات، وغرس حب الوطن ومشاركة المواطن في تطويره والمحافظة على استقراره منذ سنوات الطفولة المبكرة عبر مختلف مؤسسات التنشئة كالأسرة وما تقدمه من نماذج للإنتماء والولاء، والفكر والممارسة، والمدرسة لما لها من دور هام في تنشئة الأجيال الجديدة على احترام رموز الوطن وتقديسها.