
من الناحية الاقتصادية وعلى خٍلاف ما يعتقد الكثيرون يجب أن تبقى المستويات العامة لِلأسعار في مسار مرتفع بشكل مستمر حتى نضمن دوران عجلة الاقتصاد وتحقيق الأرباح و ضخ المزيد من الاستثمارات وخلق مناصب شغل إضافية ………. لكن الأهم بهذا الخصوص أن يكون معدل التضخم ( نسبة ارتفاع تكلفة المعاش) ضمن هوامش يستطيع الاقتصاد تحملها ولن يحدث ذلك إلا إذا كان معدل النمو يتجاوز معدل التضخم حينها يصبح بالإمكان الحصول على إيرادات مالية تسمح بزيادة الأجور القديمة وخلق أجور أخرى جديدة وهو ما يعزز من القدرة على التعامل مع معدل التضخم المسجل.
تختلف الأسباب التي تدفع بالتضخم للارتفاع من بلد إلى بلد ومن ظرفية اقتصادية إلى ظرفية اقتصادية أخرى حيث تصنف مستويات أسعار المحروقات وأداء العملات الوطنية من بين أهم هذه الأسباب وهو ما يستدعي المزيد من الحذر والدراسة عند اتخاذ قرار ما يتعلق برفع أسعار المحروقات أو تخفيض قيمة العملة الوطنية ضمن إصلاحات هيكلية يتم الاتفاق عليها عادة مع المؤسسات الدولية المانحة لتصحيح التشوهات القائمة في الجوانب المالية والنقدية خاصة إذا تزامن اعتماد مثل هذه القرارات مع وجود حرب لم تنته بعد ضد موجة تضخم تصنف على أنها هي الأعنف (الأعلى) منذ سبعينيات القرن الماضي.
في إطار الاستعداد أولاً والعمل ثانيًا بالبرنامج الاقتصادي الموقع مع صندوق النقد الدولي ( FMI) للفترة مابين 2023 و2026 تم اتخاذ قرارات مصيرية مثل رفع أسعار المحروقات بنسبة 30% أواخر سنة 2022 وتخفيض قيمة الأوقية بنسبة 15% نهاية سنة 2023 ما دفع ببعثة صندوق النقد الدولي للخروج بخلاصة مفادها أن موريتانيا ستظل تسجل معدلات تضخم مرتفعة حتى في حال حدوث تراجع للتضخم عالميًا وذلك بسبب الأثر الرجعي ( السلبي) المتوقع لهذه القرارات المصيرية على زيادة تكاليف الإنتاج والتوزيع والاستيراد لكن الأرقام والواقع أثبتوا فيما بعد عكس ما ذهبت إليه بعثة الصندوق بعد أن:
انخفض معدل التضخم من 9% سنة 2022 التي تم خلالها رفع أسعار المحروقات إلى 5% سنة 2023 يضاف إلى ذلك تسجيل هبوط إضافي ثاني لسنة 2024 حين استقر معدل التضخم عند 2,5% بدل من 5% المسجلة سنة 2023 التي تم فيها هي الأخرى اعتماد القرار الثاني المتعلق بتخفيض الأوقية وهو ما يعني في المجمل أن البنك المركزي الموريتاني ( BCM) نجح فعليًا في احتواء الأثر الرجعي لقرارات رفع أسعار المحروقات وتخفيض الأوقية وذلك بفضل تراجع أسعار النفط ( أكبر محرك للتضخم عالميًا) بعد المستويات القياسية التي سجلت في مرحلة ما من سنة 2022 والإدارة الفعالة للسياسة النقدية التي باتت تتمتع اليوم بإطار أوسع ِبفعل بدء تنفيذ أول استراتجية وطنية للشمول المالي وتطور وسائل الدفع واستحداث إصلاحات بنيوية في السوق النقدية كان لها الدور الكبير في الوصول لِأجزاء كبيرة من الكتلة النقدية كانت إلى الأمس القريب خارجة عن مجال تأثير أدوات السياسة النقدية المعروفة.