استنبطتُ من أحد التعليقات على التدوينة السابقة حول
الاستدعاء النشط فكرة عميقة: أنَّ التعليم المحضري، بما يقوم عليه من تكرارٍ ومراجعةٍ وشرحٍ متدرّج، يمثّل في جوانب كثيرة صورة مبكرة من صور التعلم الفعّال. فالمحضرة لم تكن مجرد فضاء للحفظ، بل كانت مدرسة للجمع بين النص والمعنى، بين الترديد والاستيعاب.
غير أن التساؤل يظل قائمًا:
هل يركّز التعليم المحضري أكثر على عملية التكرار، فيغدو الحفظ غاية بحد ذاته، أم أنه يمهّد لآليات الاستدعاء النشط، حيث يصبح التكرار وسيلة لتثبيت النصوص وتحويلها إلى فهم راسخ؟
تُظهر الأبحاث التربوية الحديثة أن الدماغ محدود القدرة في ذاكرته القصيرة، لا يحتفظ إلا بخمس إلى تسع وحدات، تتبخر سريعًا إن لم تُستدعَ بوعي وتُنقل إلى الذاكرة الطويلة. وهنا يأتي دور الاستدعاء النشط، الذي يجبر العقل على استرجاع المعلومة بفواصل زمنية متدرجة، حتى تتحول من مجرد ألفاظ عابرة إلى معرفة حيّة.
وإذا كان التعليم المحضري قد اعتمد على التكرار والشرح والمراجعة المتقطعة، فإنه يفتح لنا اليوم مجالًا أوسع للتأمل:
هل مارسنا الاستدعاء النشط بصورته الكاملة، أم اكتفينا أحيانًا بالتكرار دون تفعيل لذاكرة الفهم؟
وهنا يطل سؤال آخر أكثر إلحاحًا في عصرنا الرقمي:
كيف يمكن أن نستثمر هذه العملية مع أطفالنا الذين غرقوا في التكنولوجيا وألعاب التسلية ووسائط التواصل الاجتماعي؟
فإن كان التكرار وحده لم يعد يجذب انتباههم، فإن تقنيات الاستدعاء النشط قادرة على تحويل وقتهم الرقمي إلى تجربة تعلم نشطة، تجعل المعلومة حاضرة بالتحدي، وبالاسترجاع المتكرر الموزع على فترات.
الكاتب محمد. فؤاد. برادة