احتدم التنافس بين السياسيين الموريتانيين مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، فظهرت مقالات مؤيدة لهذا المرشح وأخرى تدافع عن ذلك المرشح، أغلبها كتبت من طرف زعامات التيارات السياسية القومية من بعثيين وناصريين.
من أبرز ما كتب مقال للسياسي البعثي المعروف محمد يحظيه ولد ابريد الليل، كان تحت عنوان: « ماذا يمكن أن ينتظر الشعب من ضابط متقاعد بدون سلطة وربما بدون إرادة »، هاجم فيه المرشح للرئاسيات محمد ولد الغزواني.
ووصف ولد ابريد الليل الذي يساند المرشح سيدي محمد ولد ببكر، ولد الغزواني بأنه « ضابط متقاعد بدون سلطة، وربما بدون إرادة »، وقال إنه إذا تحمل الشعب ونخبه السياسية والثقافية مسؤوليتهم « وقاموا في لحظة معينة بصحوة وعي ووقفة تأمل يمليها الشعور بالواجب، ما دام الوقت سامحا بذلك، فإن الخطر سيبتعد وستتراجع بالضرورة آلية التزوير والغش »، مشيراً إلى أن الرهان على ولد الغزواني نوع من « الوهم ».
ولد ابريد الليل في مقاله المكتوب باللغة الفرنسية، قال إنه « حتى بدون استدراك -غير متوقع على الإطلاق- من طرف النظام ورغم استمرار إرادته لفرض نفسه ضد الواقع والعقل والمنطق، فإن المرشح سيدي محمد ولد بوبكر، سيُنتَخب وسيحقق بذلك تناوبا سلميا حقيقيا على السلطة، الشيء الذي لم نعرفه منذ أن وجدت الدولة الموريتانية »، واصفا ولد ببكر بأنه « رجل لا يُعرف له عدو واحد، ولم يصل طيلة حياته إلى الإفراط والمغالاة، ولا إلى الزيغ والتعنت »، وفق تعبيره.
رئيس بالتزوير !
وقال ولد ابريد الليل إنه في حالة عدم وجود « أي رأفة ولا شفقة » بهذا الشعب « فإننا سنجد أنفسنا يوم 23 يونيو 2019- لا قدر الله- أمام نتائج التزوير والظلم المنظمين من طرف جهاز إدارة دأب في كل الأزمنة والفترات والأطوار على الخضوع، في جميع مستوياته، وعلى تقديم قرابين التزلف لآخر نظام يحكم ».
وتساءل ولد ابريد الليل في مقاله عما سيكون عليه الوضع بشكل ملموس، ليجيب بأنه « سيكون مجرد اقتراع شكلي لم يحل أي مشكلة مهما كانت، ولن يكون له حتى التأثير الكلاسيكي العادي في تلطيف حدة الأزمة القائمة والمعقدة سياسيا واقتصاديا »، مشيراً إلى أنه في هذه الوضعية « سيعلن لا محالة عن انتخاب فلان كرئيس للجمهورية.. ولكن من سيصدق ذلك؟ حتى المعنيُّ نفسُه، لن يصدق.. ماذا بإمكانه أن يقول؟ وما الذي بإمكانه أن يفعل؟ لا شيء.. فهو نفسه يعرف جيدا أن لا شرعية له، ويدرك بالتالي أنه ليس رئيسا حقيقيا »، وفق تعبيره.
وخلص ولد ابريد الليل إلى القول إنه « ليس من اللازم أن نحصل على أسرار أو مكاشفات من قوى خفية، لنعرف بأن مثل ذلك الوضع المحتمل، مهما قصرت الأيام، سيكون فترة غموض وصراع، ربما تعرف انطلاق شرارة صراعات داخلية عنيفة، وسط فضاءات فسيحة، غير محدودة، ومليئة بالعثرات.. إنه وضع مقلق محتمل الوقوع، لا يمكن التعبير عنه بغير كلمات مرعبة من قاموس انعدام الإستقرار والفوضى لا قدر الله ».
هجوم مضاد
السياسي والنائب البرلماني السابق الخليل ولد الطيب، كتب هو الآخر مقالاً تحت عنوان: « موقف ولد ابريد الليل خرق للإجماع »،قال إنه للرد على ما كتبه ولد ابريد الليل في مقالين نشرهما مؤخراً، قال إنه « كرَّسهما لنقد نظامنا الوطني الذي ظل إلى وقت قريب أحد داعميه ومسانديه قبل انقلابه المفاجيء عليه لأسباب ما زالت مجهولة الدوافع، ربطها البعض بملف مجلس إدارة التأمين الصحي كنام ».
ويشير ولد الطيب إلى إقالة ولد ابريد الليل لمنصب رئيس مجلس إدارة الصندوق الوطني للضمان الصحي « كنام »، ملمحاً إلى أنه هو سر انقلاب مواقف الرجل تجاه نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز.
وقال ولد الطيب المعروف بانتمائه السابق للتيار الناصري، إن ولد ابريد الليل « تحامل تحاملا مكشوفا على مرشحنا الأخ محمد الشيخ محمد أحمد الشيخ الغزواني، فنعته بنعوت لا تليق به ولا تنطبق على شخصه، بل هي نعوت تسيء إلى من صدرت منه أكثر من المقصود بها »، واتهمه بالتورط في « حملة دعائية زائفة ومٌضلِّله للنَّيْل منه عن طريق التقليل من شأنه الرفيع الذي خصه الله به ».
ملاحظات نارية
سرد ولد الطيب في مقاله سلسلة ملاحظات على ولد ابريد الليل، أولها تتعلق بوصفه من طرف البعض بأنه « مفكر »، وقال إن « صفة المفكر تطلق في المجتمع الواعي على الشخص الذي ينتج أفكارا ويتحلى بمعرفة واسعة وبرؤية نقدية عميقة وتكون له الأهلية العلمية لصياغة المشاريع الثقافية والحضارية ويتميز بعدم التخندق »، مشيراً إلى أن ولد ابريد الليل « تحَوَّل من رمز قومي إلى منظر مناطقي أو جهاتيٍ، أعلن بالصوت والصورة أن اهتماماته أصبحت محصورة في رعاية قطيع إبله فتقوقع وانكفأ على ذاته مما جعل آراءه ومواقفه الأخيرة المضطربة تُستقبل وبكل أسف، بالاستهجان وبالرفض، من طرف رفاقه قبل غيرهم ».
أما الملاحظة الثانية فهي أن « كل إنسان معرض في حياته للإصابة بمرض الشيخوخة، فتشيخ أفكاره وتتراجع مهارات التفكير لديه، فتضطرب بالتالي مواقفه مثل ما حصل لأستاذنا، الذي تحول من مؤيد للنظام إلى مُنقلِب عليه، ومن داعم لبيرام الداه اعبيد في الرئاسيات إلى متحول باتجاه سيدي محمد ولد بوبكر، وربما يدفعه هذا الاضطراب إلى دعم أحد المترشحين الآخرين بمن فيهم (الضابط المتقاعد) ! ».
وأشار ولد الطيب إلى أن ولد ابريد الليل ربما يعاني من « ظاهرة التَّكلُس والجمود الذِّهني » ما يمنعه من معرفة « الأفكار السليمة المقنعة »، وذلك ما يقوده إلى أن « يخرق الإجماع وتصبح رؤيته أقرب إلى الشذوذ »، على حد وصفه.
ودافع ولد الطيب عن مرشحه، حين قال إن « معظم النخب الوطنية الواعية قد حددت خياراتها وحسمت مواقفها، فتنادت معلنة تجاوبها والْتِحامها بـِ (الضَّابط المتقاعد)، إذ رأت فيه القائد الأقدر والأجدر لقيادة سفينة الوطن ».
وأضاف في ملاحظته الأخيرة أن ولد الغزواني « شكَّل ظاهرة وطنية فريدة لأول مرة في تاريخنا السياسي، إذ اصبح مرشح إجماع وطني لم يسبق له مثيل »، وقال: « ألم يكن الرجل الذي امتلك الحكمة ليقود البلد، وامتلك الجاذبية ليقبله الناس، فمن كانت هذه صفاته فلن يضره مقال حائر ومرتبك حيرة وارتباك كاتبه »، وفق تعبير ولد الطيب.