إن يوم الخميس 1 أوت 2019 سيبقى علامة فارقة في تاريخ موريتانيا. وماركة سياسية متميزة لأنه يؤسس لانطلاق سفينة التبادل السلمي على السلطة في البلاد لكن فاعلينا السياسيين الذين تعودوا على سياسة المكافآت بعد كل مناسبة انتخابية ظنوا وتوقعوا فخيب الرئيس ظنونهم و توقعاتهم فما إن أعلن عن فوز محمد ولد الشيخ الغزواني بمقعد الرئآسة حتى بدأت تلك النخبة البحث عن المكافآت مستخدمة كل وسائل الضغط :
قبائل تعودت حصصا في كل حكومة جديدة؛ سياسيون وزعماء تقليديون؛ وباحثون عن التعيين والتوظيف السياسي… تعودوا المكافأة على كل موقف داعم (السياسة مقابل الغذاء إن صح التعبير )
رجال أعمال تعودوا البذل بسخاء في كل مناسبة انتخابية مقابل مكافآت تشمل الإعفاء من الضرائب والحصول على صفقات مشبوهة مربحة ….
خيب الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني الظن لتلك المجموعات فاختار تعيين حكومة كفاءآت تخدم المجتمع بدلا من حكومة مكافآت تستنزف ثرواته وهي مسألة غير مسبوقة في عالمنا العربي المنكوب
في عالمنا العربي أيضا لا ينتقل الحاكم من القصر إلا إلى القبر فالاغتيالات بشتى الطرق الخطيرة والخبيثة هي السمة الغالبة على مسارات الحكم في تاريخ العرب السياسي منذ العهد الراشدي وإلى اليوم لكن موريتانيا التي حاول الأشقاء دائما أن تكون :
ويقضى الأمر حين تغيب تيم @
ولا يستأمرون وهم شهود@
قلبت البوصلة من خلال انتخابات شفافة آلت إلى أول تبادل سلمي على السلطة بين رئيسين منتخبين في جو سياسي طبعته السكينة والاستقرار والأمن. هذا المكسب السياسي الهام لم يأت صدفة وإنما هو نتاج مسار سياسي ذكي بدأ بتحد يد المأمورية استجابة لتوصيات منتديات 2005 .
وهو أيضا حالة استثنائية في الوطن العربي الذي تعتبر المعارضة فيه جريمة
الموريتانيون لم يولوا الحدث (التبادل السلمي على السلطة ) ما يستحق من تقدير ولم يقدروا فعليهم حق قدرهم لأن ثقافة التشاؤم وجلد الذات والحسد وشخصنة الخلافات سمات تسيطر على عقولهم وتحكم خطابهم السياسي
النتائج السياسية لاستحقاقات 2019 وماتلاها من تداعيات تجعلنا ننبه إلى ما يلي :
أولا : ضرورة بناء ثقافة التسامح والمحبة والتعاون بين جميع الشرائح الوطنية وبين الموالاة والمعارضة والاعتراف المتبادل بين الجميع .
فإذا كنا مسلمين فإن القرآن يقول : ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم ويقول نبينا صلى الله عليه وسلم :
البر أن تصل من قطعك وتعفو عن من ظلمك أو كما قال
ومن المأثور عن العرب : ماساد حامل حقد وقال الشاعر :
ولا أحمل الحقد القديم عليهم @
وليس زعيم القوم من يحمل الحقدا@
فالاجتثاث والاستئصال والثأر وتصفية الحسابات كلها سياسات هدامة ولا ينجح معها أي مشروع مجتمعي وقد ورد في القرآن مبدأ سياسي رائع تدعو إليه أحدث الديمقراطيات لكنها ما زالت عاجزة عن تطبيقه وهو العدل مع المخالف حتى ولو كان كافرا معاديا وهو يؤخذ من قوله تعالى :
ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى
ومن حسن الحظ أن رئيسنا السيد محمد ولد الشيخ الغزواني
يتبنى هذا المبدأالسياسي النبيل فقد أكد عليه في خطاب ترشحه و في حملته وفي خطاب تنصيبه بصفة واضحة لا لبس فيها أعيد على مسامعكم أيها الموريتانيون :
الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني : يعتبر نفسه رئيسا لكل الموريتانيين معارضة وموالاة وأنه رئيس يتبنى سياسة الباب المفتوح ومد جسور التواصل مع كافة الفرقاء السياسيين معارضة وموالاة وتلك ولله الحمد نعمة سياسية .
ثانيا :الشعور بالزهور والفخر على النقلة السياسية الكبيرة التي تحققت من خلال التبادل السلمي على السلطة والتخلص نهائيا من إشكالات المأمورية فلا تمديد ولا تعديل ولا ….بعد اليوم
وهو لعمري مكسب وإنجاز ولبنة سياسية تم بناؤها و سيكون لها ما بعدها.
ثالثا : تثمين جميع ما تحقق في موريتانيا من إنجازات منذ تأسيس الدولة الموريتانية سنة 1960 ولغاية اليوم (2019) إذ بدون ثقافة التثمين والاعتراف المتبادل الذي أشرت له في النقطة الأولى سنبقى في مربع البداية لأن كل نظام سيلعن سابقه ويهدم ما بنى فننشغل في هدم بعضنا للبعض وكأننا من ذكر الله بقوله :كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا إداركو فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فأتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون.
رابعا :حل المشاكل المتعلقة بالوحدة الوطنية (تبعات ومضاعفات الرق والتفاوت الطبقي والفقر…. ) بالسياسات والخطط الاقتصادية فقط بدلا من النقاشات السياسية السيزيفية التي لا تفضي إلا إلى نقاشات وصراعات وأيام وسنوات تفكيرية ثم مزايدات ومحاصصات وطلبات تعيينات وحوارات ونقاشات مع جماعات سياسية فاشلة كيلا أقول طبقة سياسية لا تبحث في الغالب الأعم إلا عن الوظائف والتعيينات
إن حكومة الكفاءآت الاقتصادية الحالية التي نستبشربها خيرا قادرة على سحب البساط من تحت طبقتنا السياسية الفاشلة و الإجهاز عليها تلك الطبقة التي لم تستطع أن تقدم مشروعا مجتمعيا ناجحا
فإذا ضمنت هذه الحكومة التسيير المحكم لثرواتنا الوطنية وأصلحت تعليمنا الفاسد منذ عقود وأطلقت مشاريع تنموية في مجالات التشغيل والبنى التحتية والصيد واستغلال الثروة السمكية والصحة منطلقة مما تملك البلاد من موارد اقتصادية هائلة تشمل المياه والمعادن والثروة السمكية والثروة الحيوانية والمعطيات السياحية المتنوعة والغنى الثقافي والموقع الإستراتيجي الهام فسيتضح للجميع أن مربط الفرس لحل المشاكل في الاقتصاد وليس في الحوار السياسي العبثي إن مايحتاجه المواطن الموريتاني اليوم ليس مناصفة أو محاصصة لوظائف الدولة وليس تمثيلا قبليا أو شرائحيا أوجهويا في كافة مفاصل الدولة، ما يحتاجه الموريتانيون جميعا هو عدالة اجتماعية يشعرون من خلالها بأنهم فعلا سواسية ويطمئنون من خلالها إلى انتمائهم الفعلي لوطن جامع، ما يحتاجه الموريتانيون هو من يطعمهم من ثرواتهم الهائلة ويوفر لهم الصحة والماء والسكن والتعليم الجيد أما النقاشات السياسية وورشات الحوار والجدل العقيم فلا تسمن ولا تغني من جوع
وعاشت موريتانيا