بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله ومن والاه. أما بعد، إن العدل هو من الموازين التي وضعها الله للخلق، وهو الصفة التي أمر بها وحث عليها، فالعدل من محاسن الأخلاق ومكارمها التي دعا إليها الإسلام، حيث يقول جل وعلا: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ } [النحل / 90]، والعدل هو الذي تستقيم فيه الحياة البشرية وتصلح، فكثيرًا ما نسمع هذا المثل: (العدل أساس الملك)، فهو حقًا أساس الملك، وأساس التماسك والترابط والتعاون في المجتمع. يقول صاحب لسان العرب: « العَدْل: ما قام في النفوس أنه مستقيم، وهو ضد الجور. » [لسان العرب / باب اللام، فصل العين]، والعدل: هو الإنصاف والقسط وإعطاء كل ذي حقٍ حقه من غير جور أو ظلم، أو إفراط أو تفريط، وهو أيضًا وضع الأمور في مواضعها الصحيحة وتسويتها.
لقد أمرنا الله تبارك وتعالى بالعدل في كثير من المواطن، فقد أُمِرنا بالعدل بين الأبناء، والعدل بين الزوجات، والعدل في الشهادة فلا يشهد المسلم إلا بما رأى وسمع، وإن شهد خلاف ذلك فيكون قد جار وظَلَم، بالإضافة للعدل في الميزان والمكيال في التجارة وغيرها، وكذلك العدل بين المتخاصمين، وأيضًا العدل بين الورثة في الميراث، وليس من العدالة أن يُحَكِّم الإنسان في حياته شرعًا غير شرع الله، فليست العدالة إلا في شرع الله. والإنسان يعدل مع ربه بأن يعبده حق عبادته، وأن يأتي بما أمر به، وأن يبتعد عما نهى عنه، فهذا من حق الله على عبادة، والإنسان إذا عدل مع ربه يكون قد عدل مع نفسه؛ لأنه بعدالته تلك قد أَمَّن لنفسه النجاة عند رب العالمين. ليست المساواة المطلقة من العدل؛ لأن المساواة لا تستلزم العدل دائمًا، والإسلام ليس دين مساواة بل هو دين عدل، وهذا العدل من مقتضياته المساواة في مواطن، ونفيها في مواطن أخرى، إذ أن المساواة المطلقة ليست من العدالة في شيء، والمساواة لا تصبح عدلًا إلا إذا انتفت الفروق بين من يُراد العدل بينهم، فعلى هذا فإن المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة لا تصح، وهي ظلم وجور في حق كلٍ من الجنسين. إن للعدل مقاصد وفوائد عدة فهو يوفر الحماية لجميع أفراد المجتمع ويحمي حقوقهم، وخاصة المستضعفين منهم والفقراء، ويَرُدُّ على الظالمين ظلمهم وكيدهم، وينشر الحب والمودة بين الناس، فالمجتمع القائم على العدالة ينتشر فيه الأمن والسلام والاطمئنان، فلا ترى فيه صِدامًا ولا خصومة.
وأسأل الله أن يلهمنا سبيل العدل والهداية والرشاد، والحمد لله رب العالمين.