تعريف الصوم يرجع الصوم في اللغة إلى الجذر اللغويّ صَوَمَ، والصاد والواو والميم أصلٌ دالٌّ على الإمساك والركود في المكان، ومن ذلك الصوم عن الكلام؛ أي الإمساك عنه، كما في قوله -تعالى- على لسان مريم -عليها السلام-: (إِنّي نَذَرتُ لِلرَّحمـنِ صَومًا فَلَن أُكَلِّمَ اليَومَ إِنسِيًّا)،[١] كما يُقال للريح إن ركدت وسكنت: صامت الريح،[٢] أمّا عن معنى الصّيام في الاصطلاح الشّرعيّ، فهو: الإمساك والامتناع عن المُفطّرات من وقت طلوع الفجر حتى غروب الشمس مقروناً بالنّية، والمفطّرات الواجب الإمساك عنها تتمثّل بالأكل والشرب والجِماع.[٣][٤] أنواع الصوم باعتبار التعيين وعدم التعيين ينقسم الصوم باعتبار التّعيين وعدمه إلى: صوم عينٍ، وصوم دَينٍ،[٤] وفيما يأتي بيان كلّ واحدٍ منهما. صوم العين وهو الصّوم الذي تعيّن بوقتٍ محدّدٍ له، والتّعيين على وجهين، هما:[٤] تعيين الله تعالى: وهو صومٌ وقته معيّنٌ من الله -تعالى-؛ كصوم رمضان وصوم التطوّع. تعيين العبد: وهو الصوم الذي عيّن العبد وقته وألزم به نفسه؛ كأداء الصوم المنذور به في وقتٍ بعينه. صوم الدَّين وهو الصوم الذي ليس له وقتٌ معيّنٌ لأدائه؛ كصوم قضاء رمضان، وصوم الكفّارات؛ ككفّارة القتل، وكفارة الظِّهار، وكفّارة اليمين، وكفّارة الإفطار في رمضان، وصوم اليمين؛ كمن حلف فقال: والله لأصومنّ أسبوعاً، وصوم النّذر غير المقيّد بوقتٍ، وصوم المتمتّع بالحجّ، أو الصيام جزاء ارتكاب محظورٍ من محظورات الإحرام في الحجّ أو العمرة؛ كالحَلْق أو الصيد.[٤][٥] باعتبار الحكم التكليفي ينقسم الصيام باعتبار الحكم التّكليفيّ إلى أربعة أقسامٍ؛ فالصيام تعتريه الأحكام التكليفيّة المختلفة، فإمّا أنّ يكون واجباً أو مستحبّاً أو مكروهاً، وقد يكون في أحوالٍ معيّنةٍ محرّماً،[٦] وفيما يأتي تفصيل الأقسام. الصوم المفروض الصوم المفروض هو الصوم الواجب، ويتمثّل في صيام رمضان، وقضائه، وصيام النذر، والكفّارة، والفدية،[٦] وينقسم الصوم المفروض إلى قسمين:[٤] ما يجب فيه التتابع: وهو الصوم الذي يجب فيه توالي أيّامه؛ كصوم رمضان، وذلك بدلالة قول الله -تعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)؛[٧] فأيّام الشهر متتابعةٌ، ممّا يقتضي بالضرورة تتابع أيّام صيام رمضان، كما يُشترط التتابع في صيام كفّارات القتل الخطأ، والظِّهار، والجِماع في نهار رمضان، ويلزم التتابع كذلك في صيام المنذور به في وقتٍ بعينه. ما لا يجب فيه التتابع: وهو ما يجوز فيه صيام الأيّام متفرّقة متباعدة؛ كقضاء رمضان، حيث لا يُشترط التتابع في صيام قضاء رمضان عند جمهور الفقهاء؛ استناداً لقوله تعالى: (وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)،[٧] لكنّهم يرون استحباب التتابع؛ حتّى يسارع العبد إلى إسقاط الفرض الثّابت في حقّه، كما لا يشترط التتابع في صيام متعة الحجّ، وكفّارة الحَلق وجزاء الصيد حال الإحرام؛ لورودها في القرآن الكريم مطلقةً عن قيد التتابع، وكذلك لا يشترط التتابع في كفّارة اليمين عند المالكيّة، ولا يلزم التتابع أيضاً في صيام اليمين والنذر المطلَقين عن شرط التتابع.[٨] الصوم المندوب وهو ما جاءت النصوص باستحباب التطوع به،[٦] ويضمّ أنواعاً عدّةً، منها:[٩] الصيام كصيام نبيّ الله داود -عليه السّلام-، والمتمثّل بصيام يومٍ وإفطار الذي يليه. صيام اليوم العاشر من شهر محرّم، ويكمُن فضل صيامه في أنّه يكفّر ذنوب السنة السابقة، قال رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: (صِيَامُ يَومِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ علَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ)،[١٠] ويستحبّ أن يُسبق صيام العاشر من محرّم بصوم اليوم التاسع منه كذلك؛ مخالفةً لفعل اليهود. صيام ستّة أيّامٍ من شهر شوّال؛ فقد رُوي عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (مَن صامَ رَمَضانَ ثُمَّ أتْبَعَهُ سِتًّا مِن شَوَّالٍ، كانَ كَصِيامِ الدَّهْرِ).[١١] صيام الأيّام التسع الأُوَلى من شهر ذي الحجَّة، وأفضلها اليوم التاسع من ذي الحجة؛ أي يوم عرفة، وفي صيامه فضلٌ عظيمٌ لغير الحاجّ؛ إذ إنّه يُكفّر ذنوب السنة الماضية والسنة التالية، ودليل ذلك ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي قتادة أنّ النبي -عليه الصلاة والسلام-: (سُئِلَ عن صَوْمِ يَومِ عَرَفَةَ؟ فَقالَ: يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ).[١٢] صيام أيّامٍ ثلاثةٍ من كلّ شهرٍ، فقد ورد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّه قال: (أَوْصَانِي خَلِيلِي بثَلَاثٍ لا أدَعُهُنَّ حتَّى أمُوتَ: صَوْمِ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ مِن كُلِّ شَهْرٍ، وصَلَاةِ الضُّحَى، ونَوْمٍ علَى وِتْرٍ).[١٣] صيام أيّامٍ من أول شهر شعبان، حيث كان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يُكثر من الصيام في هذا الشهر، كما روت عنه السيدة عائشة -رضي الله عنها- فقالت: (كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَصُومُ حتَّى نَقُولَ: لا يُفْطِرُ، ويُفْطِرُ حتَّى نَقُولَ: لا يَصُومُ، فَما رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إلَّا رَمَضَانَ، وما رَأَيْتُهُ أكْثَرَ صِيَامًا منه في شَعْبَانَ).[١٤] الصيام في سبيل الله؛ فمن تطوّع بصيام يومٍ قربةً لله -تعالى- وفي سبيله كان ذلك سبباً في الوقاية من عذاب النار، كما روى أبو سعيدٍ الخدريّ -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (مَن صامَ يَوْمًا في سَبيلِ اللَّهِ، بَعَّدَ اللَّهُ وجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا).[١٥] الصوم المكروه وردت جملةٌ من النصوص الدّالة على كراهة تخصيص أيّامٍ بالصوم أو كراهة أحوالٍ معيّنةٍ؛ كمواصلة الصيام، وفيما يأتي تفصيل هذه الأيّام والأحوال.[٤] إفراد يوم الجمعة بالصيام ذهب جمهور الفقهاء إلى القول بكراهة إفراد يوم الجمعة بالصيام؛ لما ورد عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (لا تصوموا يومَ الجمعةِ فإنَّه يومُ عيدٍ إلَّا أنْ تصِلوه بأيَّامٍ)،[١٦] ونقل الدردير أنّ المذهب عند المالكيّة عدم كراهة صيامه مفرداً، وإن صام الواحد يوماً قبله أو بعده فلا خلاف باستحباب صومه في هذه الحال، وقيل إنّه قد وردت رواياتٌ في السنّة بطلب صومه، ووردت أخرى في النهي عن صومه، ورواية النهي جاءت لاحقةً، وقد حمل العلماء روايات النهي والكراهة في حال إفراده بالصيام؛ ولأجل الروايات الواردة في كراهة صوم الجمعة منفرداً، فيُحتاط بصيام يومٍ قبله أو يومٍ بعده، فتنتفي الكراهةُ بذلك؛ لما رُوي عن أمّ المؤمنين جويرية بنت الحارث -رضي الله عنها- قولها: (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، دَخَلَ عَلَيْهَا يَومَ الجُمُعَةِ وهي صَائِمَةٌ، فَقالَ: أصُمْتِ أمْسِ؟ قالَتْ: لَا، قالَ: تُرِيدِينَ أنْ تَصُومِي غَدًا؟ قالَتْ: لَا، قالَ: فأفْطِرِي).[١٧][٤] تخصيص يوم السبت أو الأحد بالصيام وحدهما اتّفق الفقهاء على كراهة إفراد يوم السبت بالصيام إلّا إذا صادف يوم السبت ما عُهد صيامه؛ كصيام يوم عرفة أو يوم عاشوراء، ويرجع القول بكراهة إفراد السبت بالصيام إلى أنّ في إفراده بالصوم تشبّهاً باليهود الذين يعظّمون يوم السبت، فيُكره إفراده بالصوم حتّى لا يكون في ذلك تشبّهٌ بهم، والقول كذلك في تخصيص يوم الأحد بالصوم ما لم يوافق يوماً اعتيد صيامه، أمّا صيام يومٍ قبلهما أو بعدهما فيرفع الكراهة.[٤] إفراد يوم النيروز ويوم المهرجان بالصيام وهما عيدان للفرس؛ فالنيروز يومٌ في طرف فصل الربيع، والمهرجان يومٌ في طرف فصل الخريف، ويكره إفرادهما وتخصيصهما بالصوم دون سواهما؛ لأنّهما يومان يعظّمهما الفرس، فيكره موافقتهم في تخصيصهما وتعظيمهما قياساً على حكم صيام السبت.[٤] صوم الوصال وصيام الدهر وهما هيئتان أو حالان من أحوال الصيام مكروهان، وتفصيلهما على النحو الآتي:[٤] صيام الوصال: وهو أن يستمر الفرد في صومه مكمّلاً له إلى ما بعد غروب الشمس، ويوصله باليوم الذي بعده، وقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة، والمالكيّة، والحنابلة، إلى أنّ الوصال في الصوم مكروهٌ، ورُوي عن الشافعيّة أنّه مكروهٌ كراهةً تحريميّة، واستدلّ القائلون بالكراهة بما ورد عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- في قوله: (أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَاصَلَ في رَمَضَانَ، فَوَاصَلَ النَّاسُ، فَنَهَاهُمْ قيلَ له: أَنْتَ تُوَاصِلُ؟ قالَ: إنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ إنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى).[١٨] صيام الدهر: ويُقصد به أن يصوم الفرد دهره كلّه ولا يستثني إلّا الأيّام التي نصّ الشرع على تحريم صومها، وقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة وبعض الشافعيّة إلى القول بكراهة صيام الدهر، مستدلّين على ذلك بقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (لا صَامَ مَن صَامَ الأبَدَ)،[١٩] وعلّل الفقهاء كراهة صيام الدهر بما قد يؤدي بسببه إلى إضعاف الصائم عن العبادات، وتقصيره في الأمور الواجبات، وفي طلب الكسب، ومن الشافعيّة من قال بعدم الكراهة إن لم يُضيّع واجباً، أو لم يُخف بسببه ضررٌ. الصوم المحرَّم ما يحرُم صومه يحرّم على المسلم صيام يوم عيد الفطر، ويوم عيد الأضحى؛ أي يوم النحر، كما يحرّم صيام أيّام التشريق الثلاثة؛ وهي الأيّام التالية ليوم النحر، وخالف الحنفيّة الرأي السابق بقولهم إنّ في صيامها كراهةٌ تحريميّةٌ؛ لأنّ في صيامها إعراضٌ عن ضيافة الله؛ إذ إنّ هذه الأيام أيام أكلٍ وشربٍ وعيدٍ قدّرها الله للمسلمين، كما رُوي عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ)،[٢٠] كما يحرّم على المرأة صيام التطوّع دون إذن زوجها، وصيام الحائض والنفساء، ويحرّم الصوم على من يخشى على نفسه الهلاك إن صام.[٦][٤] حكم صيام يوم الشك واختلف العلماء في صيام يوم الشّك؛ وهو اليوم المتمّم لشهر شعبان، أي الثلاثون منه، وجاءت أقوالهم على النحو الآتي:[٢١] قول الحنفيّة: ذهب الحنفيّة إلى القول بكراهة صيام يوم الشكّ كراهةً تحريميّةً إن كان صومه عن رمضان، أمّا إن كان صومه عن واجبٍ آخرٍ فالكراهة تنزيهيّةٌ، وقالوا بعدم كراهة صيامه مطلقاً إن وافق صيامه عادةً عند الصائم؛ كأن وافق يوم الشكّ يوم الاثنين أو الخميس. قول المالكيّة: قال المالكيّة بكراهة صيامه من باب الاحتياط، إلّا أن يوافق ذلك عادةً للمسلم. قول الشافعيّة: ذهب الشافعيّة إلى القول بحرمة صيام يوم الشكّ، إلّا إن وافق ذلك عادةً للمسلم فلا بأس بصيامه، لما رُوي عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (لا تُقدِّموا شهرَ رمضانَ بصيامٍ قبلَهُ بيومٍ أو يَومَينِ، إلَّا أنْ يكونَ رجلٌ كان يصومُ صَومًا فلْيَصُمْهُ).[٢٢] قول الحنابلة: ذهب الحنابلة إلى القول بوجوب صيام يوم الشكّ باعتباره من رمضان إن حال دون رؤية الهلال غيمٌ، فإن لم يكن ثمّة غيمٌ يحجبه وكان الجو صحواً، فلا يجب صومه إلّا أن يوافق عادةً للمسلم. أركان الصيام إنّ للصيام ركنين أساسيّين، هما: الإمساك والامتناع عن المفطرات، وهذا الامتناع لا بدَّ أن يتواصل بدءاً من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وأمّا الركن الثاني: فهو النيّة؛ إذ لا بدّ من استحضار نيّة الصيام قبل فجر اليوم، وجاءت أدلةٌ كثيرةٌ دالّةٌ على وجوب النيّة في العبادات، ما رواه عمر -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى)،[٢٣] ولا يُقصد أو يشترط بالنيّة التلفّظ بها، بل تنعقد بالقلب وعزمه على رغبة الصيام قربةً لله -تعالى- وتسليماً لأمره، وهذا فيما يتعلّق بصيام رمضان، أمّا صيام النفل فيمكن للنيّة أن تكون لاحقةً في النهار إن كان ممسكاً.[٣] شروط وجوب الصيام إنّ لوجوب الصيام شروطاً لا بدّ من تحقّقها حتّى يكون الصيام واجباً في حقّ المسلم، وتتمثّل هذه الشروط في الآتي:[٢٤] الإسلام. البلوغ: وعلامته الاحتلام للذكر والأنثى أو الحيض للأنثى. العقل: فلا يجب الصيام ولا غيره من التكاليف الشرعية على عدم العاقل؛ لانعدام التمييز الذي يعدّ شرطاً من شروط الصحة. الاستطاعة والقدرة على الصيام: فلا يجب الصيام على غير القادر، ويدخل تحت عدم القدرة الحالات الآتية: الكِبر والشيخوخة: فلا يجب على كبير السنّ العاجز الصيام، وعليه الفدية؛ أي إطعام مسكينٍ عن كلّ يومٍ أفطره. المرض: وقد يكون المرض ممّا يُرجى شفاؤه، فيقضيه المريض بعد الشفاء، وقد يكون المرض ممّا لا يُرجى شفاؤه، فتجب عليه الفدية بإطعام مسكينٍ عن كلّ يومٍ أفطره. الحامل والمرضع: وذلك لما يلحقهما من المشقّة أثناء الحمل والإرضاع. السفر: فيجوز للمسافر الذي يسافر أن يفطر؛ لأنّ السفر مظنّة حصول المشقّة، فله أن يفطر ويقضي ما أفطره من الأيام، على أن يكون السفر تقدّر مسافته بثمانيةٍ وثمانين كيلو متراً تقريباً، وأن يكون الغرض منه تحقيق أمر مباحٍ، وأن يشرع بالسفر من قبل الفجر. مفسدات الصيام تتمثّل مفسدات الصوم بالأمور الآتية:[٢٥] الجِماع، ويترتّب على من أفسد صومه بالجماع في نهار رمضان قضاء ما أفطره وكفّارةٌ مغلّظةٌ؛ وهي تحرير رقبةٍ، وإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يتمكّن فإطعام ستين مسكيناً. الأكل والشرب عمداً، أمّا إن أكل المسلم ناسياً فلا يفسد صومه. الإبر المغذّية وحقن الدم. إنزال المنيّ بفعلٍ مختارٍ، أمّا إن كان نزوله بسبب الاحتلام، فلا يُفَطِّر؛ لعدم الاختيار فيه. القيء المتعمّد، أمّا خروج القيء من غير قصدٍ فلا يُفسد الصوم. الحيض والنفاس للمرأة. آداب وسنن الصيام إنّ للصيام آداباً وسنناً يستحبّ للصائم التزامها، فيستحبّ تأخير السحور وتعجيل الفطور، والبدء بالإفطار بما كان يفطر عليه النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من التمر والماء، كما يستحبّ الإكثار من النوافل وأعمال الخير والبرّ والجدّ في الطاعات خاصّةً في العشر الأواخر من شهر رمضان، ومقابلة الصائم لمن يسيء إليه أو يشتمه بالصبر والإحسان؛ طمعاً في الأجر والثواب، والإكثار من الدعاء أثناء الصيام وعند الإفطار.[٢٦][٢٤][٣] الحكمة من الصوم إنّ للصيام حِكماً عظيمةً تتجلّى مظاهرها في الصائمين، من ذلك أنّ الصيام وسيلةٌ لأداء حقّ شكر الله على نعمه؛ إذ إن الإنسان عند غياب النعمة عنه وفقدها يشعر بقدرها أكثر، كما في امتناع الصائم عن نعمة الطعام والشراب ونحوها استشعارٌ بقيمتها أكثر، فيشكر الله عليها، والصيام سبيلٌ لتقوى الله؛ إذ النفس قد انقادت بالصيام لأمر الله -تعالى- المقتضي للامتناع عمّا أحله الله من الطعام والشراب، فيكون أمر امتناعها عمّا حرم الله -تعالى- أدعى، وفي الصوم كسرٌ لشهوة النفس المعتادة على الاستجابة لأهوائها ورغباتها، كما أنّ في الصيام قهراً للشيطان الذي غايته إضلال الناس بإغراقهم في الشهوات، والصائم يغلق باب الشهوات ويمتنع عنها، فلا يؤثر فيه إغواء الشيطان.[٤] إنّ العبادات التي شُرعت بما فيها الصيام تتمحور أهم غاياتها في تهذيب الأخلاق وتزكية النفس؛ لذا فإنّ الصوم إن لم يهذّب أخلاق المسلم، ويجمّل طبائعه، فلا قيمة له؛ لما رُوي عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قوله: (مَن لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعَمَلَ به، فليسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ في أنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ)،[٢٧] ونبّه رسول الله المسلمين بأنّ بعض الصائمين قد لا يكون لهم من صيامهم إلّا ما يلاقوه من الجوع والعطش، ولا يستفيدون من صيامهم تزكية أنفسهم أو الثواب في الآخرة، كما جاء في رواية أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله أنّه قال: (ربَّ صائِمٍ ليس لَهُ مِنْ صيامِهِ إلَّا الجوعُ، ورُبَّ قائِمٍ ليس لَهُ مِنْ قيامِهِ إلَّا السَّهرُ).[٢٨][٢٩] فضائل الصيام إنّ للصيام فضائل كثيرةً يحوزها كلّ من التزم هذه العبادة وأدّاها بحقّها، ومن هذه الفضائل:[٢٩] عظم أجر الصوم وثوابه؛ إذ إنّ الله لم يحدّد قدراً أو حدّاً لثواب الصوم، بل خصّه لنفسه، وهو -عز وجل- مَن يجزي الصائمين عليه. خُصّ الصيام ببابٍ في الجنّة، لا يدخله إلّا الصائمون، وهو باب الريّان. خُصّ الصائم بفرحتين؛ فرحةٌ حين يفطر، وفرحةٌ حين يلقى الله -تعالى- يوم القيامة.