حتى الآن، على الأقل، لم تتضرر أفريقيا تقريبا من وباء فيروس كورونا كما حدث في أوروبا أو آسيا أو أميركا الشمالية. ومع ذلك، فإن جزءا على الأقل من القارة، وهو شمالها، يظهر بالفعل علامات خطيرة لانتشار العدوى، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى قربها من أوروبا، حيث انتشر المرض. واعتبارا من 22 أبريل، شكلت الدول الخمس في المنطقة بشكل تراكمي أكثر من 40 بالمئة من حوالي 25 ألف حالة تم تصنيفها حتى الآن في القارة من قبل الاتحاد الأفريقي.
ومن بين هذه الدول، تعرضت المملكة المغربية لضربات شديدة. وهي تحتل حاليا المرتبة الثانية بعد مصر في عدد حالات كوفيد19 النشطة في شمال أفريقيا، وتمثل بحد ذاتها أكثر من 13 بالمئة من جميع حالات الإصابة في القارة. ومع ذلك، تمكنت الحكومة المغربية من تحويل عملها ضد فيروس كورونا إلى مصدر للوحدة الوطنية، وبشكل متزايد، لتعزيز مكانتها الإقليمية أيضا.
يحسب للمملكة أنها بدأت التعبئة ضد فيروس كورونا بشكل مبكر. بحلول منتصف مارس، عندما بدأ الإبلاغ عن الحالات المحلية الأولى للفيروس التاجي، بدأت الحكومة المغربية بالفعل في اتخاذ إجراءات لإغلاق الشركات والمؤسسات في جميع أنحاء البلاد. وبحلول أواخر مارس، توسعت تلك الجهود لتشمل خطة "حكومية شاملة" للتغلب على المرض، مما يستتبع استثمارات كبيرة في قطاع الرعاية الصحية في البلاد، ورصد مكثف للأفراد المصابين بالمرض، والتزام وطني بتخصيص حوالي 2.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي السنوي لمكافحة الوباء.
يحسب للمملكة أنها بدأت التعبئة ضد فيروس كورونا بشكل مبكر
تشمل الإجراءات التي نفذتها المملكة، إلى حد كبير، ضوابط اجتماعية واسعة النطاق، مثل تعليق التعليم الخاص والعام، وحظر السفر والتجمعات الكبيرة، وإغلاق المقاهي والمطاعم، وتعليق الصلاة في المساجد. في العادة، مثل هذه الخطوات كانت لتكون مثيرة للجدل بشكل كبير، خاصة وأن السلطات المغربية واجهت اعتراضا اجتماعيا متناميا في الأشهر الأخيرة. بدلا من ذلك، كان لها تأثير معاكس، مما عزز مكانة وشرعية الحكومة المغربية المحلية.
ويتضح ذلك كثيرا من استطلاع للرأي العام أجراه المعهد المغربي لتحليل السياسات في مارس، والمعهد هو مركز أبحاث مستقل مقيم في الرباط، وقد وجد أن المستطلعين يؤيدون بشدة الخطوات الاحترازية التي اتخذتها السلطات. وأشارت الدراسة إلى أن ما يقرب من 80 بالمئة من حوالي 2500 مشارك شملهم الاستطلاع "أعربوا عن ارتياحهم للتدابير التي اتخذتها الحكومة".
لكن استجابة المملكة للفيروس التاجي تتجاوز الحدود الوطنية أيضا. وفي حين استجابت العديد من حكومات العالم للوباء من خلال التحول إلى الداخل، قام المغرب بالعكس، واستخدم فيروس كورونا كوسيلة لجمع مزيد من التعاون الإقليمي ولتحسين مكانة المملكة الدولية.
ولهذه الغاية، تواصل الملك محمد السادس مع قادة كوت ديفوار والسنغال فيما يعتبره كثيرون بداية لمبادرة إقليمية مستقلة بشأن الصحة. كما أعلن ملك المغرب نفسه كرائد عالمي في الاستجابة لفيروس كورونا من خلال الانضمام رسميا إلى اتحاد دولي يضم ثلاثة عشر دولة (بما في ذلك المملكة المتحدة وكندا) لتنسيق وتوحيد السياسات الوطنية بانتظام. لقد بدأت هذه المناورات في جذب الانتباه الدولي. وأشارت توتال نيوز الأرجنتينية مؤخرا إلى أن العاهل المغربي "هو أول رئيس دولة من القارة يروج لمبادرة أفريقية للتعامل مع جائحة فيروس كورونا".
التعاون الإقليمي الأكبر في مواجهة المرض يمكن أن يحدث فرقا حقيقيا
مدى شدة الوباء في أفريقيا لا يزال موضع تكهنات كبيرة. وأشار تقرير جديد صادر عن اللجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة إلى أنه في أفضل سيناريو، ستشهد القارة 300 ألف حالة وفاة بسبب فيروس كورونا هذا العام. في أسوأ الحالات، يمكن أن يشهد أكثر من مليار إصابة و3.3 مليون حالة وفاة في عام 2020 وحده.
ومع ذلك، قد يكون التأثير الحقيقي للمرض أخف ـ كما كان في عام 2014، عندما لم يتطابق تفشي فيروس إيبولا، على الرغم من كونه شديدا، مع عدد الإصابات التي توقعها خبراء الصحة. ومع ذلك، فإن المشاكل المتوطنة في القارة ـ بما في ذلك انتشار الفقر وانعدام الأمن الغذائي الكبير والأنظمة السياسية الهشة وعدم كفاية الموارد الحكومية ـ لديها القدرة على جعل الوباء أسوأ بكثير بمجرد وصوله أخيرا إلى أفريقيا بجدية.
لكن ما هو واضح بالفعل هو أن التعاون الإقليمي الأكبر في مواجهة المرض يمكن أن يحدث فرقا حقيقيا. في هذا الصدد، يبدو أن المغرب يحدد سرعة الاستجابة في القارة.