ما أغرب هذه البلاد! في الوقت الذي يواجه فيه مئات الآلاف من المواطنين الفقراء ومواشيهم مجاعة وجفافا لا هوادة فيه، وتتخلي الدولة تماما عن واجبها، يلهث آخرون في كل الاتجاهات ويبذلون الغالي والنفيس دون حساب، لتحصيل بعض الوحدات القاعدية لصالح الاتحاد من أجل الجمهورية، حزب/ الدولة الذي استحق اسمه أكثر من أي وقت مضى.
نادراً ما أثار حزب، مستقبله مشكوك فيه إلى أقصى حد، مع رحيل مؤسسه شبه المؤكد في عام 2019، مثل هذا العدد الكبير من الأطماع والضربات الغادرة والهجمات المخاتلة. يسعى الجميع، من خلال تعبئة أكبر عدد ممكن من "المناضلين"، إلى التموقع من أجل الاستحقاقات الانتخابية، ولو تطلب الأمر استخدام كل الوسائل. وفعلا، لم يحدث قط أن بلغت حرب الاتجاهات هذا المستوى من الضراوة، إلى درجة أن الحزب قد يخرج منها بأضرار بالغة. ولكن، يبدو أن ولد عبد العزيز لا يعبأ بهذا إطلاقا، شريطة إلهاء المواطنين البسطاء الفقراء.
وفي هذا السياق من الجفاف والمجاعة والقحط والانقسام حيث الذين يفترض أن يكونوا القدوة الحسنة، وأعني علماءنا، كلفوا أنفسهم تصريحا، بعد مقابلة مع ولد عبد عزيز، يطلبون فيه، علانية، ولاية ثالثة "لاستكمال عمل البناء الوطني". كان أحرى بهم أن يقولوا عمل التدمير، بدون شك. تدمير المدرسة العمومية التي لم يعد يرتادها سوى الفقراء الذين لا يستطيعون أن يدفعوا، كل شهر، 5000 أوقية قديمة عن كل طفل في مؤسسة خصوصية، تدمير الصحة المحتضرة التي تعجز حتى عن تقديم الإسعافات الأولية، تدمير الإدارة العامة، التي أصبحت جسدا بلا روح ويعين ارتجاليا في وظائفها السامية أشخاص لا مؤهلات لهم سوى علاقات القرابة المناسبة، تدمير القضاء الخاضع لأوامر السلطة التنفيذية، والذي سخر أداة للظلم وينفذ الأوامر أصم وأبكم وأعمي، تدمير الصفقات العمومية التي تمنح بدون أية شفافية، وبشكل مبتذل لصاحب العرض الأعلى، دون أية وسيلة طعن للذين تم إقصاؤهم ظلما وعدوانا، تدمير الزراعة التي تواصل التهام المليارات، بدون نتائج مقنعة، تدمير الشركات العمومية التي تم حلها واحدة تلو الأخرى، ورمي الآلاف من أرباب الأسر في الشارع، ويحرمون حتى دفع حقوقهم، تمزيق القوانين والنظم التي تخرق كل يوم، على مرأى ومسمع الجميع، خرق الدستور الذي يداس باستمرار منذ عام 2008. عن أي عمل بناء يتحدث إذن علماؤنا الأجلاء؟ عن بضعة كيلومترات من الطرق التي تم بناؤها بشكل سيئ بحيث تتصدع في طرفة عين أو تذوب في الماء عند هطول أول مطر ؟ عن مركز صحي أو اثنين ؟ عن قناة ري أو سد؟ دعونا نسأل عمن حقق هذه "الإنجازات" وكم كلفت الخزينة العامة، وعندها تكون لديكم فكرة عن هذا الشكل الجديد من سوء التسيير الذي يعرض الأموال العامة لاختبار صعب جدا، ويغرقنا في الدين من قرن إلى قدم. يحظر علماؤنا التطرق لهذا الشيء البديهي الواضح خوفا من ما هو أسوأ؟ أو على أمل توزيع أرباح وهمية، كما هو الحال في العهد الطائعي القديم الجيد ؟ إنها أمارات الخرف، في كلتا الحالتين. ليس هذا غريبا حقا، على عكس ما شددنا عليه، على الأقل بالنسبة لأولئك الذين يسيرون إلى الوراء، أي في عكس اتجاه التاريخ... وتطلعات الناس.