منذ القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين والفكر الشنقيطي يواصل ارتقاءه الثقافي الدؤوب ارتقاء يمد جسرا للحاضر، ينقل عبره فكر بلاد شنقيط ليأخذ مكانه طيفا من أطياف الثقافة العربية الإسلامية...
وهذه الثقافة لم تظهر دفعة واحدة بل تبلورت عبر مراحل ومجهود أثقل كاهل هؤلاء العلماء الأفذاذ في تحصيل دؤوب عن طريق قوافل الحج التي كانت تجلب الكتب من الحجاز ومصر وبلاد المغرب العربي وعن طريق الرحلات العلمية التي كان يقوم بها البعض بحثا عن الكتب و الورق. فقد ظل علماء الشناقطة يراسلون نظراءهم في البلاد العربية ويسألونهم عن نوادر المخطوطات وأماكن وجودها ،فكانوا يطلبون المخطوطات من السلاطين والملوك ويسافرون إليهم من أجل الحصول عليها. وقد أهدى سلطان المغرب لإبن رازكة مكتبة عاد بها من المغرب كما عاد الشيخ سيديا من رحلته إلى مراكش بمكتبة كبيرة وقد رحل الشيخ محمد اليدالي بن سعيد إلى أغادبر وعاد ببعض الكاغد الشاطبي وازدهرت سوق المخطوطات في بلاد شنقيط التي اهتم أهلها بالكتاب واشتروه بأثمان غالية، فقد اشتري "موهوب الجليل شرح مختصر خليل" للحطاب بفرس عتيق، كما أشتري القاموس المحيط بعشرين بعيرا!! .
وانتشر نساخ المخطوطات الذين هم بمثابة دور للنشر وتنافسوا في استنساخ المخطوطات وجلب نوادرها، فكان ذلك ضمانة لبقاء هذه المخطوطات ونشرها في زمن لم تظهر فيه وسائل الطباعة الحديثة.، مع الفارق الكبير في ما توفر لنا من وسائل وما كان لديهم من إمكانيات،
إن موريتانيا قادرة على استعادة ريادتها الثقافية والفكرية بعد كبوتها..
سيدي الرئيس أننا مازلنا اليوم نعيش على أمجاد الشناقطة الأوائل، آب ولد اخطور محمد لمين الشنقيطي محمد محمود ولد التلاميد الشنقيطي وغيرهم صحيح أن علماؤنا المتأخرين محمد سالم ولد عدود الشيخ حمدا ولد التاه الشيخ المحفوظ ولد بي الشيخ محمد الحسن ولد الددو رفعوا علم بلادهم في المحافل الدولية وهذا جهد مقدر ويحظى باهتمام ومتابعة. ولكنهم لم يؤلفوا بقدر غزارة علمهم فهم يفضلون الحفظ في الصدور بدل السطور غير أن السلف غيض لهم الله من نشر ودرس علمهم...
لنأخذ مثلا محمد محمود ولد التلاميد حيث أعتمد كسفير فوق العادة ممثلا لسلطان عبد الحميد في استكهولم السويد أنظر الوثائق..الصور:1,2
وكذالك في مصر والحجاز وأعمال محمد لمين الشنقيطي في مصر.. والأمين الشنقيطي في العراق وأولاد ماياب في الأردن وبهذا تصدق المقولة أن موريتانيا لا يمكنها أن تحقق شيء إلا بالثقافة...
ويكون هؤلاء الشناقطة قد حققوا بالكلمة والمعلومة مالم تحققه الحكومات على مدى 57سنة, فعلى مدى عقود من الزمن وموريتانيا تفتح في السفارات وتبعث بالسفراء وتنفق الملايين,, وفى الأخير تتفاجأ بأن هؤلاء أصبحوا سفراء حقائب, يقضى الواحد منهم ما شاء أن يقضى في الخارج في ترف منقطع النظير. وعندما تحين العودة إلى الوطن تمتلئ الشنط بما غلا ثمنه وخف وزنه, بدليل ما نشاهده الآن على شاشات الفضائيات العربية والدولية من استهزاء وتلكأ بكل ما هو موريتاني..
عندما انطلقت تجربتنا الديمقراطية ونظمنا انتخابات رئاسية وحققنا لاول مرة في المنطقة تناوبا على السلطة بشهادة العالم لم نبلغ عند بعض كبريات وسائل الاعلام العربية درجة ذكر ريادتنا عربيا لهذه التجربة..
وعندما تصدرنا العالم العربي في حرية الصحافة غُمطنا حقنا وأصبحنا أحيانا ثالث بلد وأحيانا رابع بلد رغم أن منظمات حرية الصحافة العالمية تضعنا في المقدمة عربيا على مواقعها ..
لكن لأنها موريتانيا لا ينبغي أن تتصدر شيئا كهذا ..
.واليوم عند الاعلان نجاح بلدنا في السيطرة على الوباء انبرى بعض العرب على تويتر يهاجمون ويتهكمون...!!
وهذا ما يوضح تقصير هؤلاء السفراء عن دورهم المنشود في التعريف بالبلد..وهم الذين استنزفوا خيرات هذا البلد عبر عقود.. !!
التاريخ اليوم لا يكتبه الأجداد، ولا يتحرك على الأرض طبقا للأماني والأقوال في مجتمع فقد فعاليته وفقد معها قدرته على قراءة الأحداث الماضية منها والجارية، فضلا عن المستقبلية وتحول إلى ظاهرة صوتية تقول ما لا تفعل، وتسمع فلا تدون، وإن هي دونت فلن تقرأ، لأنها هجرت التحصيل العلمي..
إننا نبحث عن العلة الكامنة في الذات، فإن نحن نجحنا في معالجتها فإن المشكلة ستزول - تلقائيا- بزوال أسبابها وإن تجاهلناها وعالجنا الظواهر فقط، فستعاودنا بأشكال شتى،كمن يتوجه إلى البعوض بأطنان مبيدات الحشرات، ولا يفطن إلى تجفيف المستنقع الذي يحتضن بيوضها فلا تلبث أن تفقس من جديد..
إن أول شيء هو إعادة الثقة في الثقافة، والمثقف، والاستفادة من أصحاب العقول، وتوظيفها، وتنميها، ومساعدة أصحابها، على النهوض والتغلب على العراقيل
التي تعترض سبلهم ولا شك أن هذا من شأنه أن يؤدي إلى النهوض بالبلد، وجعلها في مصاف الدولة المتقدمة، فالمواهب ثمينة جدا، وجديرة بالتشجيع، والتنمية، كائنة ما كانت، ولا ينبغي إهمالها، ولا تجاهلها، سواء كانت فنية، أو أدبية، أو علمية....
. فالإنسان الموهوب، أكثر فائدة لنفسه، ومجتمعه، من ملايين البشر، ممن لا يتمتعون بالموهبة. فمن غير المعقول معالجة الملفات السياسية، بدون ركائز ترتكز عليها. والثقافة للناس أشبه بالسلاح للمقاتل الذي يمنح لصاحبه معنى من القوة والمتعة لا يجده في غيره
إن من لم يسلح نفسه بالعلوم والتقنية والبحث العلمي سوف يصفع ويداس وسوف تفرض عليه أجندة لا يرغبها ولكنه سوف يضطر إلى القبول بها لذلك فإن استخدام البحث العلمي في إيجاد المخارج للمشاكل القادمة يجب أن يبدأ من الآن...
ومايطلبه الباحث هو توفير العيش الكريم على غرار الكثير من الدول التي تحترم نفسها مقابل ماينتج من بحوث لصالح الدولة الموريتانية كشخص معنوي دائم..
ايعقل ان الذين لهم قدم في التأليف والنشر لا يحصلون على دخل يؤمن لهم معاشهم وانا منهم ؟!
في حين أن مؤلفاتهم ترفع اسم موريتانيا عاليا في المعارض العربية والدولية!!
ان العلم هو السبيل الوحيد لشحذ ههمم المجتمع والاستفادة من طاقاته للامحدودة، فهو يعنى التقدم والقوة والرقي ولهذا قامت الدول المتقدمة بتحويل المراكز العلمية والجامعات بها لمنارات للعلم تجذب لها الباحثين والعلماء من كل أنحاء العالم، خاصة الدول الفقيرة والنامية والتي تحولت إلي بلاد طاردة للعلماء والباحثين..
وبلدنا ليس نشازا فهو وان لم يكن طاردا للباحثين بشكل مباشر فهو طاردا لهم بشكل غير مباشر بتهميشهم وعدم الاعتناء بهم و مشاركتهم والاستفادة منهم ...
لكن مع انتخاب الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني وجعله الثقافة والفكر من أولوياته ومتابعته لكل مايكتب استبشر المثقف المغبون خيرا خاصة بعد حضوره لتقسيم جائزة شنقيط بعد توقف دام عشر سنين ومعلوم مالحضور الرئيس من أهمية وتدويل وسمعة للجائزة حيث اعتمدتها المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم مع نظيراتها العربية...
ولقد اصبح من الضروري اليوم استثمار هذا الاهتمام
لذا يجب على رئيس الجمهورية التدخل شخصيا في هذه المؤسسة التي تتبع له مباشرة وإهملت عن قصد أو غير قصد..في ادارتها وامكانياتها و أعضاءها...!!
حاولت أن اشرح الوضع المزري لجائزة موريتانيا من خلال هذ المقال الموسوم ب: هل يرد رئيس الجمهورية الاعتبار لجائزة شنقيط؟