-
منذ 2 مارس الماضي، تاريخ تسجيل أول اصابة بفيروس كورونا بمدينة الدار البيضاء بادرت المملكة المغربية، تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس الى تبني استراتيجية استباقية ووقائية في مواجهة جائحة «كورونا»، اعتمدت من خلالها تدابير وقائية حازمة، مرفقة بتفعيل فوري لحركة تضامن وطني مدروسة وواسعة النطاق، تجلت في إحداث صندوق تضامن لاحتواء التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للجائحة ودعم القطاع الصحي.
وفي هذا الشأن، تم تحديد قواعد صحية احترازية تلتها معايير صارمة للتباعد الاجتماعي في إطار الحجر الصحي في ظرف قياسي بغرض احتواء انتشار الفيروس، وتجنب ما كان متوقعا أن يسببه من خسائر في الأرواح، وترافقت حزمة التدابير وبشكل استباقي بقرار تعليق كل رحلات السفر الدولية القادمة والمتوجهة إلى المطارات المغربية.
وجاء قرار السلطات المغربية بإغلاق المدارس والجامعات يوم 16 مارس الماضي، وإقرار الحجر الصحي الشامل 4 أيام بعد ذلك، ليمثل ذروة تفاعلها وبالسرعة المطلوبة مع متطلبات الاستجابة للحد من انتشار الفيروس، ولم تقتصر هذه التدابير على الحجر الصحي فقط بل شملت في غضون أسابيع قليلة، مضاعفة الطاقة الاستيعابية من حيث عدد أسرة الإنعاش في المستشفيات العامة بالمملكة، بحس مسؤولية كان محركه لدى الدولة إعطاء الأولوية للنهج الوقائي قبل اللجوء إلى الاستشفاء المكثف.
وبتوجيهات ملكية سامية تم رفع الطاقة السريرية للإنعاش بالمستشفيات، وتقرر بأن يكون الطب العسكري رديفا للطب المدني خلال حالة الطوارئ الصحية في المغرب التي بدأت في 20 مارس الماضي.
وتوصلت جهود المملكة المغربية بعدها ابتداء من 23 من الشهر نفسه بتجهيزات طبية قادمة من الصين، في وقت كانت فيه المصانع المغربية قد تمكنت من إنتاج يومي لمليوني قناع طبي، ليصبح بعدها مباشرة ارتداء القناع الواقي إلزاميا، بحلول 7 أبريل ، لكل شخص لديه ترخيص للتنقل الاستثتنائي، كما بدأت حملة مكثفة للاختبارات، بعدما حصلت السلطات الصحية مؤخرا على 200 ألف كشف مخبري مستورد من كوريا الجنوبية.
صندوق خاص
وترافقت التدابير الاحترازية مع إحداث صندوق خاص لجمع الهبات الممنوحة من مختلف المؤسسات العامة والخاصة بالمملكة المغربية بغرض تغطية تكاليف الجهود الوطنية المبذولة لمكافحة جائحة كورونا، ودعم الاقتصاد الوطني للحفاظ على الوظائف والتخفيف من الآثار الاجتماعية لهذه الأزمة الصحية المتشعبة
التداعيات.
ومن المتوقع ان يجمع الصندوق ما يزيد على 33 مليار درهم أي أكثر من 3 مليارات يورو، ما يعادل 3% من الناتج المحلي الإجمالي.
وبهذا التوجه، ينفرد المغرب على مستوى منطقة المغرب العربي وافريقيا برمتها، في أهمية وسرعة وفاعلية ما اتخذه من تدابير بغية الحد من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للجائحة، حيث وفر لأرباب الأسر الذين يعملون في القطاع الخاص وغير المسجلين في خدمة الاستفادة من التغطية الصحية «راميد»، الاستفادة، بحسب أفراد الأسرة بما بين 800 و1200 درهم.
تعويضات متعددة
كما تم إقرار منح تعويض شهري قدره 2000 درهم (75% من الحد الأدنى للأجور) حتى نهاية يونيو المقبل، وذلك الى جانب الاستفادة من خدمات التغطية الصحية الإجبارية والتعويضات العائلية، لفائدة الأجراء والمستخدمين وكذلك البحارة الصيادون المتوقفون مؤقتا عن العمل، المصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي خلال شهر فبراير 2020، وأيضا المنتمون للمقاولات، التابعة لهذا الصندوق، والتي تواجه صعوبات.
وضمن هذه الحزمة من آليات الدعم الاقتصادي، تم إحداث آلية جديدة لضمان التمويل على مستوى صندوق الضمان المركزي، تحت اسم «ضمان أكسجين»، يروم تمكين المقاولات المتعثرة بسبب انخفاض نشاطها، من موارد استثنائية للتمويل، يتولى من خلالها الصندوق تغطية 95% من مبلغ القرض، ما يمكن البنوك من مد المقاولات بقروض استثنائية لتمويل الاحتياجات الضرورية، في ظرف وجيز.
وتستفيد من هذه الآلية الجديدة للضمان المقاولات الصغرى والمتوسطة والصغرى جدا التي لا يتعدى رقم معاملاتها 200 مليون درهم، وأيضا المقاولات، التي يتراوح رقم معاملاتها بين 200 و500 مليون درهم، كما تم في إطار هذا المد التضامني، تأجيل مواعيد استحقاق القروض البنكية للأفراد المستحقة حتى نهاية يونيو القادم، الى جانب الإعفاء من أداء القيمة الإيجارية طيلة مدة الحجر الصحي لفائدة مستأجري المحلات الوقفية المخصصة للتجارة والحرف والمهن والخدمات والسكني.
رؤية وقائية
وبرؤية وقائية أكثر شمولية، أصدر صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، عفوا بحق 5654 سجينا، وأصدر أوامره باتخاذ جميع التدابير اللازمة لتعزيز حماية نزلاء المؤسسات السجنية والإصلاحية من انتشار الفيروس.
وقد جرى بموازاة ذلك تحفيز الكفاءات المغربية الفاعلة في مجال الابتكار، إذ تم في 7 ابريل البدء بانتاج أول دفعة من 500 جهاز تنفس اصطناعي محلية الصنع (إنتاج مغربي 100%) موجهة للمصابين بفيروس كورونا، بمشاركة كفاءات مغربية من جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية ووزارة الصناعة والمركز المغربي للعلوم والابتكار والبحوث والوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات، وقطب الابتكار للالكترونيك.
وبموازاة العمل الميداني المواكب استجابة لمختلف تداعيات تفشي الجائحة، تواصل الاشتغال على توسيع نطاق الإجراءات الوقائية ومنها فرض إلزامية وضع الكمامات الواقية بالنسبة لجميع الأشخاص المسموح لهم بالتنقل خارج مقرات السكن في الحالات الاستثنائية، ووفقا لهذا الإلزام قد يتعرض كل مخالف لعقوبة الحبس من شهر إلى 3 أشهر وبغرامة تتراوح بين 300 و1300 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين.
ولتوفير ما يجعل هذا الالتزام مستوفيا لشروط تطبيقه، عبأت السلطات مجموعة من المصنعين الوطنيين من أجل إنتاج كمامات واقية لفائدة السوق الوطني بأسعار في متناول العموم لا تتجاوز 80 سنتيما للوحدة، وذلك بدعم من الصندوق الخاص الذي أحدث لتدبير الجائحة، وفي ظل جهود مواجهة التداعيات الخطيرة للجائحة ورفع التحديات الكبيرة، جاءت مبادرة جلالة الملك محمد السادس، لتستجيب لرؤية التضامن الافريقي التي تنادي بها المملكة بهدف النهوض بتنمية الأفارقة، حيث تهدف المبادرة الملكية إلى تشجيع رؤساء الدول الأفارقة على إرساء إطار عملياتي من أجل مواكبة البلدان الافريقية في مختلف مراحل تدبير الوباء، وتبادل الخبرات والممارسات الجيدة لمواجهة التأثير الصحي والاقتصادي والاجتماعي للفيروس.
وفي بادرة تضامنية فريدة، وضمن أزمة صحية غير مسبوقة يعيشها العالم، استجاب الملك محمد السادس لطلب الرئيس المالي بإعادة افتتاح المستشفى العسكري المغربي في العاصمة باماكو لاستقبال المصابين بالفيروس.
«رمضان للدعم الغذائي21».. تضامن ومساعدة
في ظل استمرار التعبئة الوطنية التي أطلقها الملك محمد السادس لمحاربة آثار «كوفيد- 19»، تنظم مؤسسة محمد الخامس للتضامن النسخة 21 من عملية رمضان للدعم الغذائي خلال شهر رمضان المبارك، بحيث يستمر التضامن الوطني في تقديم المساعدة والدعم للأشخاص والأسر الذين يعيشون في وضعية الهشاشة، للحد من الآثار الاجتماعية والاقتصادية لهذا الوباء.
وتعمل مؤسسة محمد الخامس للتضامن على توسيع نطاق تغطية الأسر المستفيدة من الدعم الغذائي، حيث تم رفع العدد إلى 600.000 أسرة بزيادة 100.000 أسرة إضافية مقارنة بالسنة الماضية، بتكلفة إجمالية قدرها 85 مليون درهم.
كما أن الزيادة في عدد الأسر المستفيدة شملت جميع أقاليم المملكة، وفقا لمعايير تتعلق بحجم السكان، والوسطين القروي والحضري، وكذا نسبة الفقر والهشاشة، وبذلك سيتم تزويد حوالي ثلاثة ملايين شخص من الفئات أكثر احتياجا، ولاسيما النساء الأرامل، الأشخاص المسنين والأشخاص ذوي الإعاقة المنحدرين من الأوساط الفقيرة والقروية، بـ 83 إقليما وعمالة بالمملكة، بالمواد الغذائية في إطار هذه العملية.
وتتكون القفة من سبعة مواد أساسية تشمل: 10 كلغ من الدقيق م4 كلغ من السكر، 250 غراما من الشاي، 1 كلغ من العدس، 1 كلغ من الشعرية، 5 ليترات من الزيت و800 غرام من مركز الطماطم، وذلك كمساعدة تضامنية تهدف إلى التخفيف من الاحتياجات الغذائية المرتبطة بشهر رمضان.