شهد سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، ومعالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح، مساء أمس، احتفال يوم زايد للعمل الإنساني الذي أقيم بجامع الشيخ زايد الكبير بالتعاون مع مركز جامع الشيخ زايد الكبير في أبوظبي، والهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف، بمناسبة يوم زايد للعمل الإنساني الذي يوافق ذكرى رحيل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.
وحضر الحفل فضيلة العلامة الشيخ عبد الله بن بيه، رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، وتركي الدخيل سفير المملكة العربية السعودية لدى الدولة، والدكتور محمد مطر الكعبي، رئيس الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف، وأصحاب الفضيلة العلماء، ضيوف صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وعدد من سفراء الدول العربية والإسلامية وكبار المسؤولين وأعضاء الكنائس في الدولة.
وأكد فضيلة الشيخ بن بيه رئيس مجلس الإفتاء الشرعي الإماراتي أن العام الماضي كان الاحتفال بزايد الخير مناسبة لإبراز قيمه وسماحته، قيم الجود والبذل والعطاء الإنساني، وهذا العام هو عام التسامح وهي مناسبة أخرى للتأكيد على هذه المعاني والتنويه بقيم التسامح متمثلاً بقبول الآخر والتعايش السعيد والأخوة الإنسانية.
وأضاف فضيلته أن التسامح والسماحة صنوان في شخصية المغفور له الشيخ زايد، طيب الله ثراه، سجيتان غير متكلفتين، وطبعان غير متطبعين، والحديث عن شخصية زايد موضوع متجدد بتجدد قيم الخير والمحبة التي كان يحملها، ورؤية تتجسد كل يوم في سلوك أبنائه وأحفاده وشعبه وجميع محبيه في كل أرجاء العالم.
وقال فضيلته، إن التسامح في الإسلام يحمل مصطلحات العفو الصفح والغفران والإحسان، فالتسامح معني فوق العدل الذي يعني إعطاء كل ذي حق حقه، أما التسامح فهو بذل الخير بدون مقابل فهو من قبيل الإحسان لأنه يمثل قمة البر، وهو التسامي عن السفاسف وعفة اللسان عن الأعراض وكف اليد عن الأذى، وهو الدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم.
وأضاف فضيلة الشيخ بن بيه أن الشيخ زايد، طيب الله ثراه، عرف كيف يحيل الاختلاف ائتلافاً، والتنوع تعاوناً وكيف يتخذ من العلاقة بالآخر فرصة لاستكشاف فضاءات الالتقاء ومجالات التقارب والتعاون، وتوسيع قنوات التواصل وتحقيق النفع المتبادل بدلاً من توسيع شعارات مناصبة العداء للآخر الشعوبية الزائفة.
ووقف فضيلته على عبارة واحدة للشيخ زايد تعد من خصوص حكمته في التسامح حين قال، رحمه الله، «إن التسامح واجب، فإذا كان أعظم العظماء وهو الخالق عز وجل يعفو ويسامح فكيف لا نتسامح مع البشر المخلوقين»، مشيراً إلى أن هذه الحكمة العظيمة تشير إلى مبدأ لقيم ومصادر الإسلام السمحة.
منارة التسامح
وألقى تركي الدخيل سفير المملكة العربية السعودية كلمة بالمناسبة بعنوان «زايد منارة التسامح» قال فيها «إن دولة الإمارات تعيش اليوم عام التسامح وتمارس التسامح بفعالية وصدق وينسكب التسامح على تعامل أفرادها ذكوراً وإناثاً ولم يكن ممارسة التسامح أمراً سهلاً لو لم يكن هناك ثمة بناء حقيقي للتسامح أسسه الشيخ المغفور له زايد بن سلطان آل نهيان، مشيراً إلى أنه أصبح اليوم قبول الآخر لدى الإنسان في دولة الإمارات أمراً طبيعياً، لافتاً إلى أن كل امرئ يأتي إلى هذه البلاد يحس أنها بلده حتى يغادرها، وليس كل بلد يعطيك الإحساس بالانتماء والمواطنة كما تفعل دولة الإمارات، وهذا يعتبر غرساً غرسه الشيخ زايد وأحسن العناية به أبناؤه من بعده.
وسرد الدخيل قصة تحدث بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حيث قال له: إن مجموعة من المحسنين ذهبت من بلاد الإمارات لتنشر بعضاً من المعطيات الواجبة في أفريقيا لحفر الآبار وترعى السقيا وتحرص على إطعام الناس وإنه عندما عاد إلى والده الشيخ زايد، طيب الله ثراه، قال له: يا أبي لقد أعرض بعض أصحابنا عن بعض القرى التي لا يسكن فيها مسلمون، قال، فغضب، رحمه الله، وقال: لا يجب أن تفرق في العطاء بين مسلم وغيره، بل يجب أن تحفروا آباراً وتطعموا الناس في كل مكان وألا يكون قصدكم أثناء العطاء فقط التوجه إلى الديانة أو نحوها، وهذا هو انعكاس لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ «وفي كل كبد رطبة أجر».
وأشار إلى أن الشيخ زايد، طيب الله ثراه، نشر التسامح وتعامل معه بصدق ووعي، وأنه قائد ذو رؤية منفتحة وله وجهة نظر للمستقبل، وكان، رحمه الله، يفتح الأبواب للجميع وأقر التسامح والمساواة والعدل بين الرجل والمرأة والجنسيات الأخرى، وكل ذلك كان تمهيداً قوياً ليكون هذا العام عام التسامح ولممارسة حقيقية للتسامح دونما إنكار للهوية أو ديانة الأصل، مبيناً أن الشيخ زايد، طيب الله ثراه، جعل من دولة الإمارات قبلة لكل جنسيات الأرض حتى تجاوز عدد الجنسيات فيها أكثر من التي انتظمت في الأمم المتحدة أي ما يزيد على 200 جنسية يسكنون هذه الأرض الطيبة.
الأرض الطيبة
وأكد القس بشوي فخري صليب راعي كاتدرائية الأنبا أنطونيوس للأقباط الأرثوذكس في أبوظبي، أن الاحتفال بيوم زايد للعمل الإنساني يعد رمزاً لدولة الإمارات الذي نعيش بكل الصدق روحه وأثره الدائم في كل يوم من حياتنا على هذه الأرض الطيبة التي اتسعت لتشمل أجناس الأرض بالرحب وبسعة قلب قيادتها الرشيدة.
وأضاف الدخيل أن الاتساع والتسامح من صفات الله تعالى اتساعه في الخلق وتنوع خليقته وقبول توبة الإنسان حتى في آخر لحظات حياته، مشيراً إلى أن الشيخ زايد بحكمته استطاع أن يصنع تاريخاً وذكرى خالدة على مدار الأجيال كلها لن يمحو الزمن آثاره لأنه محفور في قلوب أبناء الإمارات والعالم، وكما أنه مكتوب في الكتاب المقدس «إن ذكرى الصديق يدوم إلى الأبد».
دروس إنسانية
من جانبه قال عمر حبتور الدرعي، المدير التنفيذي للشؤون الإسلامية «إننا نقف الليلة في هذه المعلمة الخالدة، وفي هذا الصرح الشامخ جامع الشيخ زايد الكبير الشاهد على تجسيد الأخوة الإنسانية لنستلهم معاً من معين الشيخ زايد، طيب الله ثراه، الدروس الإنسانية والزاد الحضاري والحكمة الخالدة والإلهام المتجدد، ولنستقي أيضاً مواثيق عرى الأواصر التي تربط بين الإنسان والإنسان في جسم عالمنا الإنساني».
وأضاف «إن الأخوة الإنسانية في فكر الشيخ زايد، طيب الله ثراه، هي اللب والجوهر، ولقد ارتوت أفنان هذه القيمة مع حكيم العرب والإنسانية بماء الفطرة السليمة والدين الإسلامي الحنيف وحب الإنسانية، واستشراف المستقبل، فكان، رحمه الله، يشد رابطة الأخوة بتلك الأسس التي هي كالأواصر لميثاق القيم وتفصيلها الأساس الأول للأخوة الإنسانية في فكر الشيخ زايد، طيب الله ثراه، يتمثل في مراعاته للبعد الفطري والخلقي مع البشر جميعاً، فإيمانه بالأخوة الإنسانية نابع من فطرته السليمة وأخلاقه العالية، وصفاته الشخصية وميولاته الطبيعية وعاداته العربية الأصيلة». وقال «إن الأساس الثاني لرابطة الأخوة الإنسانية عند زايد الخير هو العمق الديني، فقد كان إيمانه بالدين أنه دين أخوة ومحبة ومصدر طمأنينة وسعادة لجميع البشر».
وأكد الدرعي أن الشيخ زايد، طيب الله ثراه، كان يعيش للإنسانية، كان يتطلع أن يرى عالماً مستقراً متسامحاً تعيش فيه البشرية مع بعضها دون إقصاء أو صدام، كان يؤمن بالتعددية الدينية والثقافية، فتح قلبه للجميع، لا يميز بين إنسان وآخر، لقد آمن بالأخوة الإنسانية وآمنت قيادتنا الرشيدة بهذه القيمة وغرسوها في الأجيال حتى آمنت بها دولة الإمارات كلها، وستبقى بإذن الله أروع أمثولة للتسامح والسلام ومصدراً لإلهام الأخوة الإنسانية للجميع، ونعاهد وطننا على تحمل هذا العهد الذي قطعه الشيخ زايد، طيب الله ثراه، حين قال: «نحن نحارب المبادئ التي تدعو إلى الفوضى أو التشويش على الفكر الإنساني العاقل النابض بالحب والتسامح والأخوة الحقيقية».