مئات الآلاف فى المشاعر المقدسة، وملايين فى أنحاء الأرض، تهفو قلوبهم إلى الله، ويحتفلون جميعًا بعيد الأضحى، الذى تحضر سُنّة الأضحية ضمن أبرز طقوسه وعباداته، وبينما يحرص كثيرون من الناس على التزام تلك السُنّة، والمداومة عليها، فإن نسبة منهم قد لا تعرف شروطها وضوابطها وحكم الشرع فى تنظيمها، وهو الأمر الذى لا يضر ما لم يُخالف صاحب الأضحية تلك الاشتراطات، لكن يظل الجهل بتلك الأمور تهديدًا دائمًا بالمخالفة، بما يُخلّ بشروط الأضحية وسلامتها، وينتقص من ثوابها وقُربتها إلى الله.
الأضحية سُنّة مؤكدة عن الرسول، بالقول والفعل، وترتبط بالقدرة على الأمر فى المقام الأول، لكن إلى جانب تلك المقدرة والسعة المادية هناك ضوابط وشروط شرعية، وتفاصيل نبوية من واقع أضحية الرسول وتعامله معها، وحرصًا على أن تنضبط تلك الممارسة التعبدية بالضوابط الشرعية، أعدت دار الإفتاء دليلا كاملا، من واقع النصوص الشرعية والسنن النبوية، حول حكم الأضحية وماهيتها وعلّة تشريعها ومدى وجوبها، ومواعيد الذبح وطريقة تقسيم اللحم، وغيرها من التفاصيل والضوابط التى تتصل بسلامة الذبيحة والشروط الواجب توافرها فى الذابح، بطريقة سهلة وعبر 13 سؤالا وافيا وشاملا لكل الأمور التى يحتاج المُضحّى معرفتها أو يتوجّب عليه الالتزام بها.
ما هى الأضحية؟
الأضحية هى ما يذكى تقرّبًا إلى الله تعالى فى أيام النحر، بشرائط مخصوصة، فلا يُعدّ أضحية ما يذكى لغير التقرّب إلى الله تعالى، كالذبائح التى تُذبح للبيع أو الأكل أو إكرام الضيف، ولا يكون أضحية ما يُذبح فى غير هذه الأيام ولو بنيّة التقرّب لله تعالى، ولا ما يذكى بنية العقيقة عن المولود، ولا ما يُذبح فى الحج من هدى التمتّع أو القران أو جزاء ترك واجب أو فعل محظور فى الحج أو لمُطلق الإهداء للحرم وفقرائه.
ما المقصود بالأضحية؟
المقصود بها شكر الله تعالى على نعمة الحياة إلى حلول الأيام الفاضلة من ذى الحجة، وشُرعت الأضحية بدليل الكتاب والسنة والإجماع، قال تعالى فى سورة الكوثر «فصلِّ لربك وانحر»، أى صلّ العيد وانحر الأضاحى، ومن السُنّة فى ذلك القولى والفعلى، فعن أبى هريرة أن رسول الله، قال: «من كان له سعة ولم يُضحّ فلا يقربنّ مُصلاّنا». وعن أنس قال: «ضحّى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده، وسمّى وكبّر، ووضع رجله على صفاحهما» أخرجه مسلم، وأجمع المسلمون على مشروعيتها.
ما حكم الأضحية؟
اتفق الجمهور على أنها سُنّة مؤكدة، أى أنه لا إثم فى تركها، يفوت المسلمَ خيرٌ كبير بتركها، إذا كان قادرا على القيام بها، فعن عائشة أن النبى قال: «ما عمل آدمى من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم، إنها لتأتى يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض، فطيبوا بها نفسا»، وذهب بعض أهل العلم إلى وجوبها، منهم أبو حنيفة، ومالك فى أحد قوليه.
ما الشروط العامة للأضحية؟
للأضحية شروط عامة وخاصة تشملها وتشمل غيرها من الذبائح، فأما الشروط العامة: أن يكون الحيوان حيا وقت الذبح، وأن يكون زهوق روحه بمحض الذبح، فلو اجتمع الذبح مع سبب آخر للموت يُغَلب المُحرّم على المُبيح فتصير ميتة لا مذكاة، وألا يكون الحيوان صيدًا من صيد الحرم، فلو ذُبح صيد الحرم كان ميتة، سواء كان ذابحه محرمًا أم حلالا، ويشترط فى الذابح أن يكون عاقلا، ومُسلما أو كتابيًّا، وألا يكون محرما إذا ذبح صيد البر، وألا يذبح لغير اسم الله تعالى.
ما أبرز مستحبات الذبح؟
يُشترط فى آلة الذبح أن تكون قاطعة، معدنية أو غير معدنية، فعن رافع بن خديج أن النبى قال: «ما أنهر - أى أسال - الدم وذُكر اسم الله فكُل، ليس السن والظفر» رواه الشيخان. ويُستحب فى الذبح أشياء معظمها مأخوذ من حديث شداد بن أوس المرفوع: «أن الله كتب الإحسان على كل شىء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليُحد أحدكم شفرته وليُرح ذبيحته» رواه مسلم.
ومن مستحبات الذبح أن يكون بآلة حادة، وأن يُسرع الذابح، مع استقبال القبلة من جهته ومن جهة مذبح الذبيحة؛ لأن القبلة جهة الرغبة إلى طاعة الله تعالى، وكان ابن عمر وغيره يكرهون أكل الذبائح المذبوحة لغير القبلة.
كما يُشترط إحداد الشفرة قبل الذبح، ولكن بدون أن يرى الحيوان ذلك؛ لحديث الحاكم عن ابن عباس أن رجلا «أضجع شاة يريد أن يذبحها وهو يُحِدّ شفرته، فقال له النبى: أتريد أن تميتها موتان؟ هلا حددت شفرتك قبل أن تضجعها». ومن الشروط أن تُضجع الذبيحة على شقّها الأيسر برفق، وقال النووى: «اتفق العلماء على أن إضجاع الذبيحة يكون على جانبها الأيسر؛ لأنه أسهل على الذابح فى أخذ السكين باليمين وإمساك رأسها باليسار».
كما يُشترط سَوق الذبيحة إلى المذبح برفق، وعرض الماء عليها قبل ذبحها، وعدم المبالغة فى القطع حتى يبلغ الذابح النخاع، أو يُبين رأس الذبيحة حال ذبحها، وكذلك بعد الذبح وقبل أن تبرد، وكذا سلخها قبل أن تبرد؛ لما فى ذلك من إيلام لا حاجة إليه.
ما شروط الأضحية؟
هناك شروط لصحة الأضحية، منها شروط خاصة بالحيوان: أن يكون من الأنعام، الضأن والماعز والإبل والبقر والجاموس، يجزئ من كل ذلك الذكور والإناث. والجمهور على أن الشاة تجزئ عن واحد، والبدنة، جمل أو ناقة، والبقرة أو الجاموس، كل منهما تُجزئ عن سبعة؛ لحديث جابر: «نحرنا مع رسول الله عام الحديبية البُدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة» رواه مسلم.
وأن تبلغ سن التضحية، وهو أن تكون ثنية فما فوق من الإبل والبقر والماعز، أو جذعة فما فوق من الضأن؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تذبحوا إلا مُسنّة - أى ثَنِيّة - إِلا أَن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن». وتفسير هذه الأسنان فيه خلاف بين المذاهب، نختار منها أن جذعة الضأن تبدأ من ستة أشهر فصاعدا، وأن ثنية الماعز تبدأ من سنة، وأن ثنية البقر تبدأ من سنتين، والإبل تبدأ من خمس.
وأن تكون سليمة من العيوب الفاحشة، ومملوكة للذابح أو مأذونًا له فيها، فلو غصب شخص شاة وضحّى بها عن مالكها من غير إذن لم تقع عنه؛ لعدم الإذن، ولو ضحّى بها عن نفسه لم تجزئ أيضًا؛ لعدم الملك.
ماذا يُشترط فى المُضحّى؟
يُشترط فى المُضحّى توافر نيّة التضحية؛ لحديث الرسول: «إنما الأعمال بالنيات»، حتى تفترق هذه القربة عن غيرها من القربات، وعن الذبح لمجرد الحصول على اللحم.
ما موعد الذبح؟
فى الأمصار حيث تُشرع صلاة العيد، يبدأ الوقت من انتهاء الصلاة فى موضع التضحية، ولو قبل الخطبة، ولو قبل انتهاء الصلاة فى مواضع أخرى، والأفضل التأخير إلى ما بعد الخطبتين، وإن كان فى غير المِصر حيث لا تُشرع صلاة العيد، فيجوز من فجر يوم النحر الصادق، وهذا رأى الحنفية، والأفضل الانتظار بقدر ما يسع انتهاء الصلاة؛ خروجًا من خلاف من اشترطه. والعبرة بمكان الذبح لا بمكان الموكل.
كيف يوزع لحم الأضحية؟
يستحب للمُضحّى أن يأكل منها ويطعم غيره ويدخر، لقوله صلى الله عليه وسلم: «كُلُوا وتزوّدوا وادّخروا»، والأفضل أن يكون ذلك أثلاثا، فيعطى الغنى والفقير، فقد رُوى عن ابن عباس أنه قال فى أضحية النبى: «يُطعم أهل بيته الثلث، ويُطعم فقراء جيرانه الثلث، ويتصدّق على السؤال بالثلث».
والتصدق بالجميع أو إبقاء الجميع، والتصدق بها أفضل من ادّخارها، إلا أن يكون المضحى ذا عيال وليس ذا غنى وبسطة، فالأفضل لمثل هذا أن يُوسّع على عياله؛ لقول النبى: «ابدأ بنفسك فتصدّق عليها، فإن فضل شىء فلأهلك، فإن فضل شىء عن أهلك فلذى قرابتك، فإن فضل عن ذى قرابتك شىء فهكذا وهكذا».
ويُستحب للمُضحّى أن يذبح بنفسه إن قدر على ذلك، لأنه قُربة، ومباشرة القربة أفضل من التفويض والتوكيل فيها، واستثنى الشافعية إن كان المُضحّى أنثى أو أعمى، فالأفضل فى حقهما التوكيل، ويُستحّب للمُضحّى أيضًا التسمية عند الذبح، خروجًا من خلاف من أوجبه، فيقول: «بسم الله والله أكبر»، وحبذا لو صلّى على النبى، ويُستحب له الدعاء بقوله: «اللهم منك ولك، إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أُمرت، وأنا من المسلمين»، ويُستحب له أن يبادر بالتضحية ويسرع بها قبل غيرها من وظائف العيد وأيام التشريق، ويُستحب قبل التضحية أن يربطها قبل يوم النحر بأيام؛ إظهارًا للرغبة فى القُربة، ويُستحب أن يُسمن الأضحية أو يشترى السمين؛ لأن ذلك من تعظيم شعائر الله تعالى، وإن كانت شاة أن تكون كبشًا أبيض عظيم القرن خصيًّا؛ لحديث أنس أنه «صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين موجوءين».
ويُكره للمضحى التضحية فى الليل لغير حاجة، ويُكره التصرّف فى الأضحية بما يعود عليها بضرر فى لحمها أو جسمها، خاصة إذا كانت معينة أو منذورة، كالركوب أو شرب لبن يُؤثّر فيها، أو جزّ صوف يضرّها، أو سلخها قبل زهوق الروح.كما يُكره إعطاء الجازر ونحوه أجرته من الأضحية؛ لحديث علىّ: «أمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بُدنة وأقسم جلودها وجِلالها، وأمرنى ألا أعطى الجزار منها شيئا، وقال: نحن نعطيه من عندنا». ويجوز توكيل الغير فى ذبح الأضحية، الجزار وغيره، للحديث المرفوع: «يا فاطمة، قومى إلى أضحيتك فاشهديها»، وإن كان به ضعف إلا أن الفقهاء اتّفقوا على صحة العمل بمضمونه، وإن كان الذابح الوكيل كتابيًّا صحّ عند الجمهور مع الكراهة، والأفضل أن يذبح بنفسه.
ما آخر ميعاد للذبح؟
آخر أيام التشريق هو آخر موعد للذبح، أى عند غروب شمس الثالث عشر من ذى الحجة، وهذا مذهب عدد من الصحابة والتابعين، ورأى الشافعية، وقول للحنابلة، واختيار ابن تيمية، ودليلهم حديث النبى الذى رواه ابن حبان عن جبير بن مطعم «كل أيام التشريق ذبح». وعن على بن أبى طالب: «أيام النحر يوم الأضحى وثلاثة أيام بعده»، لكن الأفضل التعجيل بالذبح قبل غروب ثانى أيام التشريق، أى يوم الثانى عشر من ذى الحجة، للخروج من خلاف الجمهور.
ما حكم إلقاء المخلفات بالطرق؟
هذا العمل من السيئات العظام والجرائم الجِسام؛ لأن فيه إيذاء للناس، فقد قال الله تعالى »وَالَّذِينَ يُؤذُونَ المُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ بِغَيرِ مَا اكتَسَبُواْ فَقَدِ احتَمَلُواْ بُهتَانا وَإِثما مُّبِينا»، وفاعل ذلك إنما يتخلّق بأخلاق بعيدة عن أخلاق المسلمين؛ فإن النبى يقول فيما رواه عنه عديد من الصحابة: «المُسلِمُ مَن سَلِمَ المُسلِمُونَ مِن لِسانِهِ ويَدِهِ»، رواه الشيخان وغيرهما، والذابح للأضاحى أو غيرِها فى شوارع الناس وطرقهم، مع تركه المخلفات فيها، يؤذيهم بدمائها المسفوحة التى هى نجسة بنص الكتاب العزيز، ويُعرّضهم لمخاطر الإصابة بأمراض مؤذية، فإن هذه الخصال تستجلب لعنَ الناسِ لفاعليها، وما نحن فيه مِن تقذير شوارع الناس ومرافقهم، وتعريضهم للأمراض والأخطار، مثير لغيظ الناس واشمئزازهم وحنقهم على فاعليها ومرتكبيها، فالواجب الذبح فى الأماكن المُعدّة والمُجهّزة لمثل ذلك، والواجب الحرص على الناس وما ينفعهم، والنأى بالنفس عن كل ما يُكدّر عيشَهم أو يؤذى أحاسيسهم وأبدانهم.
هل يجوز حضور الأولاد للأضحية؟
الرأى الشرعى الذى تراه دار الإفتاء هو ضرورة الحرص على الالتزام بإقامة شعيرة الأضحية، بمشاركة الأولاد والأهل كل عام، قدر الاستطاعة، وإن تعذّر لأى سبب بديهى فيكون الرأى بجواز إقامة الأضحية بأية طريقة أخرى من طرق الإقامة؛ إما عن طريق أشخاص أو مؤسّسات خيرية أو بنوك مؤهَّلة لذلك؛ حرصًا على مصلحة الفقراء.
ما حكم التبرع بجلد الأضحية؟
جمع جلود الأضاحى من أصحابها صدقة وتبرعا منهم للأغراض الخيرية أمر جائز، والممنوع عند الأكثرين يبيع صاحب الأضحية شيئا منها للانتفاع بثمنه، فعن على بن أبى طالب أنه قال: «أمرنى رسولُ الله أن أَقوم على بُدنة وأن أتصدّق بلحومها وجلدها وأجلّتها، وألا أُعطى الجزار منها شيئا.
وقال: نحن نُعطِيه مِن عندنا». رواه الجماعة إلا الترمذى، وعليه فإما أن يتصدّق المُضحّى بجلد أضحيته أو بشىء منها فى الأغراض المذكورة، فتُباع ويُصرف ثمنُها فى ذلك فهو جائز.