الحقيقة / أنواكشوط / هذا المقال تم نشره إبان تسليم مدير الإستخبارات الليبية الأسبق عبد الله السنوسي من طرف النظام السابق.
ننشره هنا بعد إعادة الحديث عن صفقة تسليم، والتي تحدثت عنها ابنت الرجل في حوار سابق مع فرانس 24.
و كان ذلك عامالخميس 6 أيلول (سبتمبر) 2012 .
لم أكن من الذين تباشروا خيرا بمصير السنونسي عندما أوصلته الأقدار ذات ليلة إلي مطار نواكشوط الدولي؛ وهو من كان يظن أنه نجى من القوم الظالمين ـ فرنسا والمحكمة الجنائية الدولية وكذلك العصابات المتناحرة في الجماهيرية ـ بعد أن أضحت بفعل الحرب الصليبية تعج بالفوضى وقطاع الطرق وحملة السلاح؛ حيث شعرت عند سماع ذلك النبأ بأن وصمة عار لحقت ببلدي العزيز وهو يستقبل ذلك المستجير الذي استجار بها بعد أن تم استدراجه ليحط الرحال حتى يتم تسويقه ومن ثم بيعه بتلك الطريقة الفجة التي كشفت المستور عن الرجل الذي أوهمنا أنه استثناء من حكامنا الذين عرفناهم؛ بل إن طريقة إدارة ملف السنونسي أثبتت بما لا يدع مجالا للشك ما ذهبت إليه الأحزاب المعارضة للنظام من كونه يسعى دائما إلي المتاجرة بالقرارت السياسية أيا كان نوعها؛ حيث لا يعدو السنوسي سوى كنز ثمين بيع بالثمن الذي علق عليه بعد الاعلان عن وجوده بيد السلطات الموريتانية تلك الليلة المشؤومة التي حل فيها ضيفا على بلدنا..!؟
لقد أحدث قرار التسليم هذا للعصابات المتناحرة في ليبيا شرخا واسعا في العلاقة التي تربط النظام الموريتاني وشعبه الذي ظلت غالبيته تؤكد على ضرورة عدم تسليم من استجار بهم ؛ وهو الأمل الذي ظل العديد من الناس يحدث به نفسه؛ وتعزز لديه أكثر بعد التطمينات التي خرجت في الأونة الأخيرة من رئيس الجمهورية نفسه؛ كما أن مفهوم العدالة الذي على اساسه تم توقيف السنوسي لم تتم مراعاته بقرار التسليم الذي جاء قبل أن يقول القضاء الموريتاني كلمته في حق الرجل الذي لم يراعي فيه نظامنا وللأسف الشديد القول المأثور” أكرموا عزيز قوم ذل”..!؟
فما أقدم عليه النظام الموريتاني يعد بحق وصمة عار ستظل تلاحقه وتلاحقنا كموريتانيين اينما حللنا؛ وذلك بعد أن نقضنا العرف الذي يرمز للخصال العربية الأصيلة والذي أقره الاسلام فيما بعد حتى وإن كان من يريد أن يجار مشركا بقوله تعالى:”وإن أحدٌ من المشركين أجارك فأجرْه”؛ فكيف إذا كان هذا الاحد ينطق الشهادة ومن المسلمين ؛ كما أن قصة التسليم هذه ستجعل اولئك الأبرياء الذين مثّل عليهم في مسرحيات سابقة يرفضون تصديق أي شيء بعد الذي حدث من نظام لا يحفظ العهود ولا يجير المظلومين؛ فقضية السنوسي أبانت عن تجاعيد الوجه الحقيقي لنظام أصبح يرمز إلي التضليل والإعلام الكاذب بدل المكاشفة والصدق ..!؟
فالآن وبعد ما تردد من شائعات وتسريبات في سابق الأيام تارة برفض التسليم وتارة أخرى بقبوله هاهي السلطات الموريتانية تمكن المجرمين المسيطرين على ليبيا ؛ والمتحالفين مع الغرب من المجاهد عبدالله السنوسي في إجراء يثير الاشمئزاز ويصيب بالغثيان، لأن رائحة الاحتيال والبيع والشراء وعمل العصابات والسماسرة تفوح من هذه العملية بكل تأكيد..!؟
ولعل منطق الأشياء يثبت أن عبد الله السنوسي بيع ثلاث مرات متتالية: الأولى حينما استدرجته السلطات الموريتانية بالقدوم إلى موريتانيا لكي يبلغ مأمنه، ففعل الرجل ثقة بأولئك الاخوة الذين ظن بهم ظن محمد بن جعفر بأخواله خثعم الذين استجار بهم فأجاروه ؛ وهم الذين سيلعنهم الله والتاريخ على فعلتهم تلك، وأقصد بالتأكيد أولئك الذين اتصلوا بالرجل في المغرب أو في أي مكان من أرض الله وأقنعوه بالقدوم إلى موريتانيا..!؟
أما عملية البيع الثانية فكانت بالتظاهر بالتعاطف مع الرجل، وهو تعاطف بدا الآن أنه مزيف وخبيث يخفي وراءه عملية احتكار سلعة بغرض المضاربة بها، وهو ما حصل فعلا، حيث تتالت زيارات خونة ليبيا إلى موريتانيا مطالبين بالرجل، ليواجهوا الصدود والرفض في البداية لا لشيء سوى لرفع الثمن، وتحقيق الربح من الرجل، وأخيرا حصل التاجر على مبتغاه فباع بضاعته في جنح الظلام وهي بكل ألم المجاهد عبد السنوسي، مقابل دريهمات من أيدي اللئام..!؟
لكن قصة البيع والشراء لم تنته عند هذا الحد، والأرجح أن ما كان بحوزة هذا الرجل من أموال قد تحايلت عليه جماعة السماسرة في ادعاء كاذب بمواجهة الضغوط الأجنبية، وهي في الخلفية تتعامل معه كقطعة غيار..!؟
والثابت أن قرار بيع السنوسي يضع مسؤولية مباشرة على الرئيس محمد ولد عبد العزيز أمام ضميره أولا، ومواطنيه ثانيا، وأحرار ليبيا والعالم ثالثا، فما فشلت عصابة المجرمين في فرضه على النيجر المجاورة لليبيا، وعلى الجزائر يبدو أنها للأسف نجحت فيه في موريتانيا التي كان الجميع يتوقع أنها الحلقة الأقوى في قصة تسليم رموز ثورة الفاتح، لبعدها جغرافيا عن ليبيا أولا، ولما يتظاهر به رئيسها من قوة ورفض للضغوط والابتزاز، لكن يبدو للأسف أن ما نسمعه عن عقلية التجارة لدى نظامنا وسعيه الدؤوب إلى تجميع الأموال وتحقيق الأرباح ليست بعيدة عن الحقيقة..!؟
أقول ذلك بمرارة لأنني دافعت كثيرا عن الرجل لا خوفا منه ولا طمعا في ما عنده، وإنما لظني أنه صادق فيما يدعي، لكن المعطيات الماثلة أمامي في هذه المأساة تجعلني أراجع الكثير مما اعتقدته وتصورته عن الرجل..!؟
ومهما يكن من أمر فإن هذا الإجراء البائس يسيئ إلى موريتانيا وشعبها وتاريخها المعروف بإغاثة الملهوف حتى يبلغ مأمنه، كما يسيئ إلى الرئيس نفسه وإلى رصيده الأخلاقي، لأنه يعرف أكثر من غيره حجم الدعم والإسناد المعنوي والمادي والسياسي الذي قدمت له ثورة الفاتح وشهيدها القائد ورفيق دربه المجاهد عبدالله السنوسي في وقت كانت أطرافه ترتعش على الكرسي الرئاسي، وهو ما يرتب عليه مسؤولية أخلاقية..!؟
وينضاف إلى ذلك تجاهل الرئيس الموريتاني في قراره تسليم السنوسي القضاء الموريتاني وتناقضه الصارخ مع ما صرح به أمام شعبه في أطار وقبل ذلك وبعده؛ فقد أساء بهذا الإجراء إلى سمعة موريتانيا وتاريخها وتراثها مقابل حفنة من دولارات العملاء ليس إلا..!؟
الحسن ولد الشريقي [email protected]