الشركة الوطنية للمعادن(Snim)، مفخرة الاقتصاد الموريتاني و رمز من أهم رموز البلد السيادية و الوطنية قبل الاقتصادية ؛ بسببها وقعت مذبحة الوزيرات و من أجل تأميمها سجن و عذب و نكل بالكثير من أحرار البلاد و أبطالها.
ما تمثله اسنيم في وجدان و تاريخ الشعب الموريتاني لا تمكن الإحاطة به : كان تأميمها ثورة .. كان انتصارا تاريخيا في ذاكرة أجيال النضال الوطني الجاد..
استقطبت اسنيم على امتداد عقود من الزمن، عددا هائلا من المهندسين الوطنيين العباقرة ، خريجي أفضل جامعات العالم و كونت و دربت و أهلت بسخاء و كانت رمزا للجدية و الصرامة و الانضباط :
في نهاية السبعينات ، حين كانت الثانوية و الإعدادية الفنية تستقطب هي الأخرى عباقرة تلامذة البلد ، تفاجأنا و نحن أطفال في السنة الثالثة من الإعدادية (قسم الميكانيكا العامة) من كثافة الدروس في مجال الأفران العالية . و تفاجأنا أكثر في نهاية السنة ، بتقديم اسنيم عروضا مغرية على تلامذة القسم (12 تلميذا) للعمل في الشركة و منح في فرنسا و رواتب و امتيازات مغرية أكثر . و اتضح حينها أن الدولة تعمل جاهدة على اقتناء أفران عالية ، كنّا جميعا مؤهلين للعمل فيها بكفاءة . و ما زلت أستغرب ، كيف ما زالت البلاد حتى الحين ، لا تملك فرنا عاليا !!؟
نحن الآن نصدر الحجارة ، لا نصدر الحديد ؛ فرنسا هي من تصدر حديدنا و هي من تستفيد من كل فوائد القيمة المضافة في المجال..
و منذ أن أصبحت قيادة اسنيم وظيفة سياسية ، فقدت الشركة جديتها و صرامتها و تحولت إلى جهاز سياسي بكل استهتار السياسيين و غباء الأنظمة . و أصبحت بلا رؤية و لا طموح و لا آفاق مستقبلية ، تنهكها الوساطة و المحسوبية و الزبونية و النهب و الفوضى و الظلم ؛ أصبح مهندسوها و أطرها الأكفاء يخجلون من أنفسهم و أصبحوا في حيرة من استهتار و عبثية قرارات الدولة ..
اليوم تحتاج اسنيم إلى قرار تاريخي من النظام يعيد لها هيبتها و مكانتها العلمية و إلى عدة سنين من العمل الدؤوب لاسترجاع جديتها و صرامتها و طموحات نخبها الوطنية و هو ما لن يتأتى قطعا بوجود ولد أجاي و أمثاله من العابثين على رأسها المطأطأ خجلا ، فبعيدا عن تاريخه الأسود في كل الإدارات التي تولى قيادتها بالتملق و التزلف و النفاق ، لا يستطيع ولد أجاي و لا من يحمل شهادة مثيلة لشهادته ، أن يصبح رئيس قسم في اسنيم باستحقاق، إذا تبنت أي توجه إصلاحي حقيقي..
على ولد الغزواني اليوم أن يتحمل مسؤولياته و يرد الاعتبار لمهندسي اسنيم و يوليهم إدارتها و يأخذ بآرائهم في طريقة خروجها من مأزقها . و عليه أن يبعد اسنيم من
السياسة و يبعد عمالها و نقاباتهم عن التجاذبات الحزبية و يعتذر لمهندسيها و أطرها الأكفاء عن ما تعرضوا له من إهانات و تهميش و ظلم و فوضى على أيادي الجيل الأخير من مدرائها العابثين المعينين بأمزجة سياسية مريضة ..
اسنيم اليوم ، تماما مثل الشعب الموريتاني ، لم تعد تتحمل المزيد من الفوضى و الاستهتار و على النظام أن يفهم أن مشكلتها ليست في الديون و لا في وضعها المأساوي ؛ كل ذلك تملك اسنيم من القدرات ما يكفي لتجاوزه بسهولة ؛ الشيء الوحيد الذي لا تستطيع اسنيم التعايش معه هو الفوضى و عبث الدخلاء و تكبيل خبراتها الفنية بالتبعية لمعتوهين سياسيين لا يتقنون غير التزلف و النفاق .
من صفحة سيدي علي بعمش