رواية رسمية وثلاث فرضيات.. كيف قتل الرئيس التشادي إدريس ديبي؟

أربعاء, 04/21/2021 - 05:27

 

 

على ضفاف عامه السبعين، وعلى مشارف معسكرات المتمردين، رحل الرئيس التشادي إدريس ديبي إتنو مثخنا بجراحه خلال مواجهة عنيفة في الشمال مع قوات المتمردين القادمة من ليبيا بزعامة محمد مهدي علي.

 

 

كان لمحمد مهدي علي هدف محدد، وهو طرد ديبي من العاصمة نجامينا بعد طرده من الحكم.

 

 

وبالمقتل الغامض لحد الآن، تبدو تشاد على كف عفريت، فجراحها الكثيرة أصبحت أكثر عمقا، والأزمة انتقلت من صراع بين سلطة ومتمردين إلى فجوة داخل السلطة، وانتقال غير دستوري من حكم المشير إدريس إلى حكم ابنه الجنرال محمد إدريس الملقب بكاكا، قائد قوات النخبة والحرس الجمهوري في الجيش التشادي.

 

أين وكيف قتل؟

لا تزال المعلومات شحيحة جدا بشأن ما حدث لديبي، وباستثناء بيان صادر عن الناطق باسم الجيش، فلا يوجد مصدر آخر يؤكد أو يضيف قصة مقتل الرئيس الراحل في مواجهة مع المتمردين في شمال البلاد.

 

وتضيف المصادر الرسمية أن ديبي كعادته انتقل يوم الأحد إلى منطقة القتال لرفع معنويات جيوشه، قبل أن يصاب أثناء مناورة للتصدي للمتمردين، حيث نقل إلى العاصمة ليلفظ أنفاسه في وقت لاحق.

 

وسبق للرئيس الراحل أن قاد عدة مرات عمليات للتصدي للمتمردين الذين واجهوا نظامه طيلة العقود المنصرمة، ورغم شيوع واستقرار هذه الفرضية الرسمية، فإن روايات أخرى تتداول منذ ساعات، ومن أهمها:

– فرضية الاغتيال الشخصي: من طرف أحد مرافقيه أو حراسه، خصوصا وأن عددا كبيرا من عناصر الجيش ينتمون إلى القبائل الشمالية، وبعضها يدين بالولاء لبعض خصوم ديبي.

 

– تصفية داخل القصر أو خيانة من بعض المقربين: ويستعبد أصحاب هذه الفرضية حدوث انقلاب عسكري تقليدي، كما يستبعدون في الوقت ذاته وجود أي رئيس على خطوط القتال بشكل مباشر مع أعدائه.

 

ثم إن عدم الإعلان عن مقتل قادة بارزين أو مرافقين عسكريين للرئيس يثير تساؤلات بشأن صحة الرواية الرسمية، إذ ليس من المنطقي -وفقا لأصحاب هذا الرأي- أن يموت وحيدا في الميدان دون أن يصاب من حوله بأذى.

 

ويعتقد المسوقون لهاتين الفرضيتين أن بعض العسكريين ربما تخلصوا من ديبي حتى لا يجرفهم سيل الأزمة التي انطلقت سياسيا من خلال رفض المعارضة لولاية ديبي السادسة، وعسكريا من خلال تمرد الكتائب الشمالية بقيادة محمد مهدي علي.

 

– انقلاب عسكري تقليدي: ورغم وجود أرضية مناسبة وأجواء مهيئة لانقلاب عسكري في البلاد بحكم حالة الاحتقان السياسي والتمرد العسكري وطول فترة بقاء الرئيس، فإن التطورات التي صاحبت وفاة ديبي لا ترجح فرضية الانقلاب التقليدي من طرف المؤسسة العسكرية، بحكم أن منطق الانقلابات التقليدية يقوم في الغالب على إلغاء ولعن السابق ومن حوله، في حين أن المجلس العسكري الذي تولى زمام السلطة يقوده نجل الراحل.

 

ورغم تعدد الفرضيات، فإن المؤكد هو أن الغموض ما زال يلف الموقف، وأن الانتخابات الرئاسية التي انتهت للتو قد فتحت بوابة أزمة سياسية وأمنية كبيرة في البلاد.

 

كما أن حجم الدماء التي سالت في الأيام الأخيرة من حياة ديبي، كان كفيلا بتفكيك التماسك الوهمي لنظام ديبي القائم على القبضة العسكرية والحكم الأسري.

 

وبين مختلف الروايات، يبقى رحيل ديبي بشكل مفاجئ يوما واحدا بعد إعلان فوزه بولاية سادسة حدثا فارقا سيلقي بظلاله على المنطقة بأسرها، بعد أن يضاعف جراح تشاد.

 

ديبي.. المنقذ الذي انتهى دكتاتورا

في خطابه الأول بعد وصوله إلى السلطة سنة 1991 بانقلاب عسكري على الرئيس حسين حبري خاطب ديبي التشاديين قائلا لم آت بالذهب والفضة، ولكن جئتكم بالحرية.

 

ويرى خصوم ديبي أن حصيلة حكمه بعد 3 عقود قضاها في دهاليز السلطة، تظهر بجلاء أن الحرية كانت أعز مفقود في البلاد، وأن الذهب والفضة وخيرات البلاد قد توجهت بوفرة هائلة إلى جيوب قلة من المنتفعين، وخصوصا من المقربين سياسيا واجتماعيا من الرئيس الراحل.

 

ينتمي ديبي إلى قبلية الزغاوة الموجودة في كل من تشاد والسودان، وهو من مواليد سنة 1952، ويمكن اعتباره الحاكم الأقوى لتشاد منذ استقلالها عن فرنسا.

 

ثم إنه ظل بامتياز رجل فرنسا في تشاد وفي المنطقة، بعد أن وصل إلى الحكم سنة 1991 منقذا للبلاد من نظام الدكتاتور حسين حبري.

 

كان ديبي قبل ذلك ومنذ العام 1979 الساعد الأيمن للرئيس حبري، المقيم حاليا في سجون السنغال، ومكافأة له على دوره الكبير في سحق التمرد العسكري المدعوم من العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، عيّنه حبري قائدا للجيش التشادي، قبل أن يعينه مستشارا عسكريا في الرئاسة منتصف ثمانينيات القرن الماضي، بعد أن استفاد من دورة تكوينية مكثفة في مدرسة الأركان الفرنسية.

 

في سنة 1989 ستشب نار الخلاف بين حبري وديبي بسبب تعاظم قوة الحرس الرئاسي وسيطرته على منافذ ووسائل القوة في المؤسسة العسكرية التشادية، وعندما وصل الخلاف إلى ذروته، قرر ديبي الفرار إلى السودان، والتحالف معه ومع نظام العقيد معمر القذافي، قبل أن تدخل فرنسا لاحقا على الخط داعما أساسيا لديبي.

 

قاد ديبي الحركة الوطنية للإنقاذ، التي دخلت العاصمة التشادية في الثاني من ديسمبر/كانون الأول 1990، وفي فبراير/شباط من العام الموالي (1991) تسلم الحكم بشكل رسمي ونهائي، وأعلن عن مسار جديد من الديمقراطية والحرية، انتهى بجمع كل منافذ القوة والمال بيده وزوجته وأفراد قلة من أسرته.

 

في 2001 وبعد ولايتين كاملتين، قرر ديبي تعديل الدستور ليسمح له بمأمورية ثالثة، وسرعان ما تواصلت حلقة المأموريات كل 6 سنوات، وكان آخرها ولايته السادسة التي لم تزد على يوم واحد، فقد كان الموت أسرع من طموح الخلود في كرسي الحكم.

 

شبح الاقتتال ومنعطف الساحل

يتخوف التشاديون من مستقبل مؤلم، خصوصا إذا قررت الكتائب المتمردة استمرار الزحف تجاه العاصمة، أو تحركت القوى السياسية المعارضة ضد النظام الجديد الذي يقوده نجل الرئيس الراحل الجنرال محمد إدريس ديبي.

 

ولا يستبعد أن تتوتر الأمور خصوصا مع دعوة المتمردين الجيش للسعي إلى تخليص تشاد من بقايا نظام ديبي.

 

وإلى جانب ذلك، يعني رحيل ديبي فقدان فرنسا رجل الساحل القوي، الذي كان أقرب الزعماء إلى تنفيذ سياساتها في المنطقة، حيث كانت عناصر المشير التشادي في تلك المنطقة الملتهبة أهم قوة إقليمية لإسناد القوات الفرنسية.

 

المصدر : الجزيرة + وكالات