توفيقان يحتاجان إلى توفيقين/ محمد فال ولد سيدي ميله

سبت, 09/11/2021 - 06:59

 

 

اختيار اسم "مدائن التراث"، ليكون الإسم البديل عن "مهرجان المدن القديمة"، كان موفقا إلى درجة كبيرة، فـ"المدائن" كلمة مرتبطة، في الوجدان العربي، بالتاريخ والتراث والآثار. في هذا السياق نجد "مدائن صالح"، وهي بلدة سعودية احتضنت، في فترة من تاريخها، مملكة الأنباط، وكان بها، في فترة أخرى، قوم ثمود الذين عقروا ناقة النبي صالح عليه السلام. كما نجد بلدة "المدائن"، عاصمة الساسانيين، على الضفة الشرقية لنهر دجلة بالعراق، وهي مزينة بمعالم من أهمها قبر الصحابي الجليل سلمان الفارسي وإيوان كسرى. وهكذا وُفق وزير الثقافة، أيما توفيق، في اختيار الاسم الأنسب لمهرجان مدننا القديمة كي يعكس، لأول مرة، ألقا تاريخيا وعبقا تراثيا وأريجا أثريا.

كان مهرجان المدن القديمة، منذ تأسيسه، عبارة عن أسفار ماراتونية وصراخ سيزيفي حصيلته مجموعة أصفار لا تنتهي على المستويات التنموية والثقافية وعلى مستوى الشهرة العالمية القادرة وحدها على تسريع وتيرة المردودية في الجانب السياحي. إذن كان المهرجان فشلا في فشل وأموالا تعبّأ من أجل قضاء يوم صاخب يبدأ بخطابات الإشادة والتملق وينتهي بمشاهد من الرقص المزعج.

وكما وفق وزير الثقافية، المختار ولد داهي، في اختيار الإسم الأنسب، وُفق أيضا في فهم جوانب الخلل في المهرجانات السابقة: أي "تكرار المحتوى، وضعف الحصيلة، والعجز عن استعادة إشعاع الألق الثقافي للبلد، وغياب الأثر التنموي على المدن المعنية".

إلا أن هذين "التوفيقين"، يحتاجان إلى توفيقين آخرين: أولهما يكمن في إيجاد الشخص الأنسب، بثقافته وتجربته، لإنجاح مهرجان "مدائن التراث"، ذلك الشخص الواعي لمهمته والقادر على غربلة المشاركين واختيار الفرق حسب أدائها وأهمية دورها، وتحسين الآمبالاج الخارجي ليكون رافعة لجذب السياح، وإضافة البعد العلمي باستدعاء مؤرخين ومختصين بغية استنطاق بواطن تاريخ مدائننا وكنوزها الأثرية وأسرارها الحضارية. وثانيهما جلب استثمارات وضخ تمويلات يتم من خلالها تطوير المدن نفسها من حيث البنية التحتية (الطرق، والكهرباء، والمياه، والنزل) ليكون حضور المهرجان رحلة ممتعة بدلا من حبس تحفظي في جحيم الصحاري.

إننا نتوق إلى حضور مهرجان مفيد وناجح يتوافد إليه الناس من مختلف بقاع العالم، بدلا من مهرجانات الإشادة السياسية، في طقس يشينه غبار رباعيات "الدفع"، وتحوله قصائد المديح الباهت إلى علقم زعاق.