زيارة ولد عبد العزيز الر زيارة ولد عبد العزيز الرسمية لفرنسا: هل هي الحرب في مالي أم الحرب في موريتانيا؟ سمية لفرنسا: هل هي الحرب في مالي أم الحرب في موريتانيا؟

خميس, 11/08/2018 - 13:38

 

م

في مقال سابق، تحت عنوان "ماذا ينتظر العالم بعد  تدمير ليبيا"، كنت قد ذكرت أن منطقتنا هي من ستدفع ثمن  تلك العملية الرعناء التي دبرتها فرنسا في ليبيا بسبب أن القذافي، الذي يرصد لبرنامج تحديث ليبيا في أفق 2020 أكثر من 280 مليار دولار موجهة في الغالب للتعاون مع الصين وكوريا وتركيا وغيرها، ظل يماطل في إبرام صفقة طيران مدني مع فرنسا بقيمة 5 مليار دولار ويمانع في زيادة ضخ النفط الليبي الموجه خصيصا لأوروبا: إيطاليا وفرنسا بالدرجة الأولى من 1،6 مليون برميل إلى 2،5 مليون برميل  يوميا .
 لقد كان  تدمير ليبيا واحد من أسوأ القرارات الدولية اتجاه المنطقة الإفريقية بصفة رئيسية، وكان بمثابة  انفجار خزان كبير مغلق بإحكام، حيث ظل يعيش بها خليط كبير من الشعوب محمي من الفقر ويُعلِّم أبناءه ويتداوى  ويدفع نفس الثمن عن المواد الاستهلاكية والماء والكهرباء تماما مثل الليبيين. لقد احتضنهم ذلك الوضع دون الانجراف في الحركات المتطرفة وعصابات الخطف ومافيا المخدرات التي ظلت تمرح في منطقتنا. وبعد سقوط ليبيا القذافي في العملية التي روج لها الناتو بأنها من أجل جلب الديمقراطية والحرية، لم تعد ليبيا صالحة للسكن، وقد غادرتها كل تلك الجماعات هروبا من جائحة الفوضى التي جاء بها الناتو دون أن يحصلوا على شيء سوى قطع  من السلاح هي ما قدمه الأشقاء في قطر لليبيين من أجل الإمعان في تدمير بلدهم الذي فُتِّحت أبوابه لكل متطرفي  العالم بقيادة إسرائيل. لم تكن  هناك وجهة أخرى بالنسبة لتلك المجموعات سوى العودة لبلدانهم التي لم يملكوا عنها  أي فكرة  ولا انطباع  إيجابي. لقد كانت الحكومات المالية والبوركينابية والنيجيرية -على سبيل المثال- تخصص 2% فقط من ميزانيتها للتنمية  ولا تستقبل مناطق الأقليات التي يسودها الجهل،  بل والتي أضحت معزولة عن المركز مخصصات مهمة  من تلك الميزانية الهزيلة بطبيعة الحال، وفي مالي على نحو خاص  كانت مطالب الانفصال قديمة، وقد تمت مواجهتها بقمع وحشي في الستينيات  خلق شرخا عميقا في النفوس بسبب إكراه الانفصاليين على الانتماء لهذا الوطن الذي لم يكن لهم وطنا في يوم من الأيام، هكذا يرسخ في أذهانهم، وقد كان تعامل السلطة المركزية يدعم ذلك الشعور على نحو متعمد، فلم يعرف ذلك الجزء من مالي أي اهتمام بل ظل منطقة منكوبة على الدوام. لم تفكر فرنسا، وهي تحاول طرد الخطر عن منطقة إيمرورن (معدن اليورانيوم الذي تستخرجه آريفا الفرنسية منذ عقود في النيجر والذي جعلها الأولي في الطاقة النووية في العالم)، تفكر في أي عمل سلمي يكون أكثر تأثيرا على السلم المديد في المنطقة، بل أعلنت حربا هوجاء على المنطقة متذرعة بقرب احتلال باماكو من طرف متطرفين وتهديد مصالحها لتضع كل منطقتنا في خطر، وليس هناك على سبيل اليقين أي تفكير على  غبائه يعتقد أن الحركات المتطرفة تريد حكم باماكوـ رغم أن أياد أغالي لم يكن يوما من الأيام إسلاميا قبل خروجه الأخير من ليبيا عقب التدخل الفرنسي فيها- لكنها (أي تلك الحركات) تريد الاعتراف بشعبها كمواطنين وحقه في العيش في بلده في ضوء العودة للعمل بالتسويات السياسية والاقتصادية السابقة التي تحاول دمج مجتمع عريض في دولته على الأقل من الناحية الاقتصادية  التي عطلتها الحكومات المالية ولم تشارك فيها فرنسا بشق تمرة، رغم إدراكها أن المشكلة صارت مشكلة تنموية. وقد كانت ليبيا هي البلد الراعي الرئيسي  لتلك الاتفاقات والمستعد لتمويلها بشكل دائم، كما ظلت الجزائر تساهم على نحو ما بتحقيق السلام في المنطقة، بينما كانت فرنسا تختار الوقوف دائما بصف الحكومة المالية ولا تشارك أو على الأقل ليست متحمسة لأي تسوية سلمية ولا تدعم أي مسار سلمي أيضا في تلك المنطقة. لم تهتم فرنسا بأي حل جوهري لمشكل هي من خلقه في الأساس، بل جاءت مجددا بتعلة الدفاع عن شعبها في مالي: "كذبة أخرى، لكن الفرق مع كذبة جلب الديمقراطية لليبيا أنه معروف أن الدفاع عن الشعب الفرنسي في مالي  كذبة لا أساس لها ". كانت حقيقة التدخل الفرنسي هي الوقوف في وجه أطماع الروس في مالي وقد جاؤوا مستثمرين ، وتدخل الصين التجاري الواسع في المنطقة، واهتمام أمريكا الجديد ببعض دول المنطقة الإفريقية. لقد أرادت فرنسا أن تذكر بنفسها وباستمرار نفوذها في مستعمراتها القديمة، ليس لفعل الخير لهذه البلدان الفقيرة،  فذلك ليس من شيم الفرنسيين، لكن لإظهار القوة وتوزيع  القتل عبر عمليتين عسكريتين: سيرفال 11 يناير2013 وبارخان 1 أغسطس 2014 . وقد كانت النتائج مزيدا من تعقيد المشهد،  وأصبحت  تبحث عن طريقة للرحيل بعد أن  أشعلت فتيل حرب طويلة الأمد في صحراء شاسعة تساوي مساحة أوروبا، مخلفة وضعية غير قابلة للعلاج. إنه أمر متوقع منذ البداية،   فقد كنت قد ذكرت في مقال لي صدر سنة 2013  بشأن  التدخل الفرنسي في مالي أن مشكلة فرنسا ستكون الخروج من ذلك الوحل عندما تقرر ذلك، وهكذا وبعد 5 سنوات تريد فرنسا -وهي لا تلوي على شيء- الهروب من مالي لوقف نزيف الخسائر المادية المستمرة  والخروج بانتصار نظري: تجسد في حصار المتطرفين  لوقت أطول في مناطق محدودة من تلك الصحراء المفتوحة، لكن بتوريط بلدان المنطقة  في المشكلة التي خلقتها لهم من طرف  واحد بتدخلها على نحو مفاجئ ودون أي تشاور ولا تنسيق مع أحد  بل دون أن تستمع لتحذيرات دول المنطقة في إشعال نار هذه الحرب .إن فرنسا، لأسباب داخلية، لابد لها من أن تخرج من مستنقع مالي الذي يكلفها سنويا مليار دولار، دون حساب تكلفة الحرب نفسها. إنه عبء كبير تواجه الحكومة بسببه انتقادات لاذعة من الداخل. إن عملية الانسحاب دون الحفاظ على استمرار الأمن في المنطقة  معناها أن كل شيء قد ضاع في هذه العملية التي دخلتها فرنسا بقوة وحزم لوحدها أمام العالم دون أن تأخذ رأي أحد ، وهو ما لن تتحمله قوة دولية مثل فرنسا التي انتفضت انتصارا للشعوب المستضعفة من الأعداء الخطرين  وللقضاء على أعداء شعبها حسب تصريحات هولاند إبان الحرب. وهكذا حاولت  خلق قوة محلية من بلدان المنطقة  تريد منها تجاوز الدور الذي كانت تقوم به القوات الفرنسية ، بل وتلزمها بالهجوم على التنظيمات المسلحة في شمال مالي في حين يرفض ماكرون تقديم أي فلس مما كانت تنفق الخزينة الفرنسية بشكل منتظم على هذه العملية، بل يقترح تقديم مساعدة بقيمة  8 مليون أوروـ  يحسب من ضمنها الخردة العسكرية على التي كان يستغلها الجيش الفرنسي هناك مثل السيارات والقطع العسكرية والتي سيواجه  مشكلة حقيقية في نقلها عندما يريد الرحيل عن المنطقة ـ من أصل 491 مليون دولار هي الغلاف المالي لتكلفة تجهيز الجيوش الإفريقية لتلك الحرب و250 مليون دولار هي التكلفة السنوية لتجهيز تلك الجيوش في المستقبل، ينما جمعت فرنسا( في عملية تَاقِـٌنٌجَ وهي عملية تسول يحصل بها الأطفال على أنواع غير متجانسة من الصدقات في تجولهم بين المنازل في عملية استتسقاء من أجل المطر طبعا وليس من أجل الحرب كما في حالة فرنسا  ) من عدة جهات (السعودية والإمارات ) لدعم العملية عون بقيمة 103 مليون دولار تريد فرنسا أن تبيع مقابلها معدات من صنعها لهذه الجيوش ، يال الجشع،  كما أعلنت الولايات المتحدة استعدادها لتقديم 60 مليون دولار لكنها ليست مساهمة في هذه الحرب بل لتقديم الدعم لدولتين من هذه المجموعة بوركينا فاسو والنيجر ولدعم إدارة G5 لكنها في نفس الوقت تمانع في إضفاء شرعية دولية لهذا التدخل بمنع إصدار قرار من الأمم المتحدة تحت البند السابع كما تم في لمح البصر مع ليبيا ، كما تعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم دعم بقيمة 100 مليون دولار لهذه العملية ، بينما جمعت بلدان G5 الخمسة التي ستخلف فرنسا في هذه الحرب والتي من بينها ثلاث دول من أفقر بلدان العالم النيجر ومالي وموريتانيا جمعت مبلغ  68 مليون دولار للمساهمة في هذه الحرب ومع ذلك لم يتم الوصول للسقف المطلوب لتجهيز الجيش في شن الحرب الأولى فضلا عن الميزانية السنوية 250 مليون دولار لمدة 5 سنوات على الأقل ، إننا لم نسمع أي أحد في هذا الجزء من العالم يتكلم عن دعم الإقتصاد والتنمية ولا توفير أي خدمات اجتماعية بقدر ما نسمع عن حرب واسعة وطيلة الأمد في منطقة تعاني من توترات اجتماعية صعبة ومديدة ،وفي وضعية كهذه يحاول أمنويل ماكرونه دفع هذه البلدان للشروع في الحرب قبل نهاية هذه السنة .فما لذي يملكه ماكرون ليدفع بهذه البلدان المنهكة إقتصاديا وسياسيا ومهددة بمآسيها الداخلية إلى هذه الحرب؟ فبالنسبة لموريتانيا على وجه الخصوص ليست في وضع يهيئها للدخول في حرب لايمكن الخروج منها بسهولة ، يتعلق الأمر بشرعية اتخاذ القرار من جهة بالنسبة لرئيس تفصله 8 أشهر فقط عن مغادرة السلطة ، لقد كان سبب أول انقلاب في البلد لازلنا نعيش ويلاته لليوم هو وقف حرب من دون شرعية ،وحينما كان الجيش أقل وعيا من الآن وأكثر انصياعا للأوامر، أما اليوم فيدرك جيشنا أنه لا يدافع عن خطر يتهددهولا عن حوزة ترابية ، فلاتوجد لحد اليوم مشكلة معلنة مع هذه التنظيمات ولا تهديد لحوزتنا الترابية ، كما أن هذه التنظيمات  لم تتجاوز حدودنا لتنفذ أي عمليات ، كما يعبر بلدنا أزمتان حادتان منذ عدة سنوات يراهم الجميع وغلقان الجميع : أزمة سياسية مستحكمة وأزمة إقتصادية تزيد من الفقر والبطالة وضيق أفق الإقتصاد ،كما  تتاخم الأراضي الموريتانية 3000 كلمتر على هذا الخطر بصفة دائمة ، وليست لنا القدرة على تعبئة الموارد لمتابعة رهان هذه الحرب  إلا إذا تم وقف كل شيء في الداخل ، إننا وعلى وجه الدقة  ليست لنا أيّ مصلحة في تلك الجهة أبدا ولا في ذلك القرار ولا يوجد من يملك شرعية اتخاذه اليوم في البلد.صحيح أن  كلا من ماكرونه وعزيز له طموحه في هذه القضية فقد أخذ  ماكرونه على عاتقه إخراج فرنسا من ذلك الوحل لا مناص ، بينما يريد عزيز أن يستمر في السيطرة على  بلد استحوذ عليه  منذعشر سنوات وحول موارده إلى ممتلكات خاصة ،  وقد جعل الأرض ومن عليها في هذا البلد تحت رحمته لا مجال للنقاش .إنه عندما يدير ظهره للسلطة فهناك عدة سنوات لا يمكن الحديث فيها إلا عن ما فعله عزيز من تبديد لثروة هذا البلد باسم محاربة الفساد إنه علي يقين من ذلك وهو بالتالي مجبر على البحث عن مخرج ، لا يوجد أمر أكثر فاعلية من خلق وضعية أكبر مما يعيشه البلد اليوم وهي الدخول في أتون حرب تغطي على كل ماسواها من أحداث ، أو خلق صراع مع قوة كبيرة من أجل إضفاء شرعية على القرارات غير الشرعية أو غير المرحب بها في البلد وهذا هو موضوع زيارة عزيز الرسمية إلى فرنسا عقب زيارة ماكرونه الرسمية لموريتانيا على هامش القمة الإفريقية التي كانت تدخل في إطار التحضير لهذه الحرب . إن الحقيقة التي لايرقى إليها الشك أن فرنسا لاتهتم بالديمقراطية في أي بلد إفريقي خاصة إذا تعارض ذلك مع مصلحتها إن مصلحتها اليوم في موريتانيا في بقاء الشخص المغامر الذي سيأخذ القرار المهم في إعلان الحرب في أزواد وقد حصلت على مبدأ إعلان النية من طرف عزيز الذي أعطته زمام  قيادة العمليات العسكرية في هذه الحرب وستجعل العالم يتغاضى عن هدم الديمقراطية في هذا البلد بل والاستقرار إذا كان ذلك ثمنا يشترطه عزيز لاتخاذ القرار . ليس ولد عبد العزيز ذلك الغبي الذي لم يحسب حسابه عندما يتعرض البلد لأي فوضى أو عدم استقرار فقد حصل على مخدة وثيرة في الإمارات العربية المتحدة بناها لنفسه وليست مثل تلك التي بنت فرنسا لمعاوية  على عجل في قطر ولا تلك التي أعدتها لزين العابدين في السعودية  وهو بالتالي يراهن على أن يظل يملك كل شيء وزمام كل شيء في هذا البلد أو أن لايبقى أي شيء على هذه الأرض حتى لا نتعرض له إنه وحده يقدر حجم الدمار الذي أحدثه تسييره الفرداني للحكم فأين أهل الأرض من ما يحاك ضد بلدهم؟.
محمد محمود واد بكار