ذهب سائح إلى المكسيك فامتدح الصيادين المَحليين في جودة أسماكهم ثُمَّ سألهم: كم تحتاجون من الوقت لاصطياد هذه الأسماك؟
فأجابه الصيادون بصوتٍ واحد: ليس وقتا طويلاً.
فسألهم: لماذا لا تقضون وقتاً أطول وتصطادون أكثر؟
فأوضح الصيّادون أن صيدهم القليل يكفي حاجتهم وحاجة عوائلهم !
فسألهم: ولكن ماذا تفعلون في بقية أوقاتكم؟
أجابوا: ننام إلى وقت متأخر..
سألهم: وماذا بعد؟
قالوا: نصطاد قليلاً..
سألهم: وماذا بعد؟
قالوا: نلعب مع أطفالنا..
وماذا بعد؟
قالوا: نأكل مع زوجاتنا..
وماذا بعد؟
نزور الأقرباء والأصدقاء..
وماذا بعد؟
في المَساء نلهو ونضحك ونردد بعض الأهازيج والأغاني.
فقال السائح مقاطعاً: لدي ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة هارفرد وبإمكاني مساعدتكم!
فسألوه مستغربين: وهل تعتقد أننا بحاجة للمساعدة..؟
قال: نعم؛ عليكم أن تبدؤوا في الصيد لفترات طويلة كل يوم..
ولماذا علينا نصطاد لفترة أطول..؟
لتبيعوا السَّمك الإضافي بعائد أكبر..
وما حاجتنا إلى العائد الأكبر..؟
لتشتروا قارب صيد أكبر..
سألوه: وما حاجتنا إلى ذلك القارب؟
أجاب: مع القارب الكبير والنقود الإضافية تستطيعون شراء قارب ثان وثالث وهكذا حتّى يصبح لديكم أسطول سفن صيد متكامل..
ولماذا نفعل هذا..؟
قال: هذا يجعلكم قادرين على أن تبيعوا صيدكم مباشرة للمصانع، بدلاً من أن تبيعوه لوسيط، يتربح من جهدكم وصيدكم..
قالوا: وما الضير في أن يتربح الآخرون من صيدنا..؟
قال: لأنكم أولى بهذا المال الفائض، الذي ربما يتيح لكم أيضاً إنشاء مصنع خاص بكم، وربما سيكون بإمكانكم حينها إنشاء مشاريع عملاقة..
وما حاجتنا إلى هذه المشاريع العملاقة؟
قال: لأنه سيكون بإمكانكم حينها مغادرة هذه القرية، والانتقال للعيش في مكسيكو العاصمة، أو لوس أنجليس أو حتى نيويورك!
هنا، صمت الصيادون، ثم لم يلبثوا أن سألوا السّائح:
كم من الوقت سنحتاج لتحقيق هذه الخطة؟
أجاب: حوالي عشرين، أو ربما خمسة وعشرين سنة..
فسألوه:
وماذا بعد ذلك؟
أجاب: عندما تكبر تجارتكم سوف تقومون بالمضاربة في الأسهم وتربحون الملايين..
سألوه في دهشة: الملايين؟ حقاً؟
قال: إن أحسنتم العمل، وبذلت ما يلزم من جهد، ستحققون ذلك مع قليل من الحظ.
سألوا: وماذا سنفعل بعد ذلك؟
أجاب مُبتسماً: بعد ذلك يمكنكم أن تتقاعدوا، وتعيشوا بهدوء في قرية على الساحل، تنامون إلى وقت متأخر..
قال الصيادون: ونلعب مع أطفالنا..
قال: بلى، وتتنزهون مع زوجاتكم. وتقضون الليالي في الاستمتاع مع الأصدقاء..
حينها قال الصيادون: مع كامل الاحترام والتقدير، ولكن هذا بالضبط ما نفعله الآن، فما هو المنطق الذي يتوجب علينا من أجله أن نضيع خمسة وعشرين سنة نقضيها شقاءً!!؟