القناعة كنز لا يفنى

أربعاء, 10/19/2022 - 14:56

ذهب سائح إلى المكسيك فامتدح الصيادين المَحليين في جودة أسماكهم ثُمَّ سألهم: كم تحتاجون من الوقت لاصطياد هذه الأسماك؟

فأجابه الصيادون بصوتٍ واحد: ليس وقتا طويلاً.

فسألهم: لماذا لا تقضون وقتاً أطول وتصطادون أكثر؟

فأوضح الصيّادون أن صيدهم القليل يكفي حاجتهم وحاجة عوائلهم !

فسألهم: ولكن ماذا تفعلون في بقية أوقاتكم؟

أجابوا: ننام إلى وقت متأخر..

سألهم: وماذا بعد؟

قالوا: نصطاد قليلاً..

سألهم: وماذا بعد؟

قالوا: نلعب مع أطفالنا..

وماذا بعد؟

قالوا: نأكل مع زوجاتنا..

وماذا بعد؟

نزور الأقرباء والأصدقاء..

وماذا بعد؟

في المَساء نلهو ونضحك ونردد بعض الأهازيج والأغاني.

فقال السائح مقاطعاً: لدي ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة هارفرد وبإمكاني مساعدتكم!

فسألوه مستغربين: وهل تعتقد أننا بحاجة للمساعدة..؟

قال: نعم؛ عليكم أن تبدؤوا في الصيد لفترات طويلة كل يوم..

ولماذا علينا نصطاد لفترة أطول..؟

لتبيعوا السَّمك الإضافي بعائد أكبر..

وما حاجتنا إلى العائد الأكبر..؟

لتشتروا قارب صيد أكبر..

سألوه: وما حاجتنا إلى ذلك القارب؟

أجاب: مع القارب الكبير والنقود الإضافية تستطيعون شراء قارب ثان وثالث وهكذا حتّى يصبح لديكم أسطول سفن صيد متكامل..

ولماذا نفعل هذا..؟

قال: هذا يجعلكم قادرين على أن تبيعوا صيدكم مباشرة للمصانع، بدلاً من أن تبيعوه لوسيط، يتربح من جهدكم وصيدكم..

قالوا: وما الضير في أن يتربح الآخرون من صيدنا..؟

قال: لأنكم أولى بهذا المال الفائض، الذي ربما يتيح لكم أيضاً إنشاء مصنع خاص بكم، وربما سيكون بإمكانكم حينها إنشاء مشاريع عملاقة..

وما حاجتنا إلى هذه المشاريع العملاقة؟

قال: لأنه سيكون بإمكانكم حينها مغادرة هذه القرية، والانتقال للعيش في مكسيكو العاصمة، أو لوس أنجليس أو حتى نيويورك!

هنا، صمت الصيادون، ثم لم يلبثوا أن سألوا السّائح:

كم من الوقت سنحتاج لتحقيق هذه الخطة؟

أجاب: حوالي عشرين، أو ربما خمسة وعشرين سنة..

فسألوه:

وماذا بعد ذلك؟

أجاب: عندما تكبر تجارتكم سوف تقومون بالمضاربة في الأسهم وتربحون الملايين..

سألوه في دهشة: الملايين؟ حقاً؟

قال: إن أحسنتم العمل، وبذلت ما يلزم من جهد، ستحققون ذلك مع قليل من الحظ.

سألوا: وماذا سنفعل بعد ذلك؟

أجاب مُبتسماً: بعد ذلك يمكنكم أن تتقاعدوا، وتعيشوا بهدوء في قرية على الساحل، تنامون إلى وقت متأخر..

قال الصيادون: ونلعب مع أطفالنا..

قال: بلى، وتتنزهون مع زوجاتكم. وتقضون الليالي في الاستمتاع مع الأصدقاء..

حينها قال الصيادون: مع كامل الاحترام والتقدير، ولكن هذا بالضبط ما نفعله الآن، فما هو المنطق الذي يتوجب علينا من أجله أن نضيع خمسة وعشرين سنة نقضيها شقاءً!!؟