وآفـاق جـديــدة بقلم: محمد لحبيب سيدي محمد معزوز بتاريخ 7 يناير, 2019

اثنين, 01/07/2019 - 15:30
 

بسم الله الرحمن الرحيم

2019 وآفـاق جـديــدة

بقلم: محمد لحبيب سيدي محمد معزوز*

يعيش الاتحاد المغاربي حالة من التفاؤل والترقب بعد توارد الأنباء التي تشير إلى توجه جديد لإحياء الاتحاد الذي كاد الناس نيسان وجوده، وعلى الصعيد المحلي في موريتانيا فنحن على موعد مع استحقاق سياسي قد يكون له ما بعده.

الجزائر ردت التحية بأحسن منها أو بمثلها بعد المبادرة الانفتاحية من العاهل المغربي محمد السادس فأوعز الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للجهات التنفيذية المختصة بالعمل وبالتعاون مع الشركاء المغاربيين لإحياء الاتحاد.

إذا صدقت النيات فإن قمة مغاربية قد تلوح بوادرها قريبا في الآفاق.

عقد القمة المغاربية سيكون مبعث أمل لنفض الغبار عن الاتحاد المغاربي الذي عقدت عليه الآمال لتحقيق رغبات وأحلام الشعوب المغاربية في كيان يجمع شعوب المنطقة التي جمعها التاريخ وجمعتها الجغرافيا وجمعتها الثقافة وجمعها دين هو عزة الأمة وهويتها.

غني عن القول أن الجزائر والمغرب هما قطب الرحى للاتحاد وبدونهما لا معنى له.

فكلما تقارب الشقيقان المتباعدان كلما كان ذلك دليلا على أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح، في اتحاد يقطنه قرابة المائة مليون من البشر جلهم من الشباب المتعلم.

التوقعات تقول أن القمة المرتقبة قد تعقد في النصف الأول من العام 2019 وانعقادها في حد ذاته سيكون خطوة إلى الأمام، إذ سينهي عقدين من القطيعة بين جارين وشعب واحد لا تفرقه إلا حدود رسخها الاستعمار في أذهان النخب بعد أن جعلها معالم وخطوطا على الأرض غير قابلة للمس.

الدراسات المستقبلية تقول أن أي تجمع بشري يقل تعداده عن المائة مليون قد يكون عرضة للزوال بفعل التحديات والإشكالات والنزاعات والصراعات المتولدة عن عالم يقتات على الأزمات ويعيش حالة من التنافسية المحمومة إلى درجة التنازع في البقاء.

أنظروا إلى تلك الدول قليلة التعداد والإعداد، في شرارة واحدة، كم تحترق وتزول، تترى وتباعا، إنها الأضعف جندا والأقل ناصرا.

الاتحاد المغاربي إذن هو ضرورة أمنية تنموية قبل أن يكون حاجة شعبية واجتماعية، ولو أن قادة الاتحاد المغاربي علموا كم يقهقه جيرانهم الشماليون ضحكا حتى الثمالة سخرية واستهزاء من حالهم، ما لبثوا في التشرذم ساعة.

أين نحن من فتح الحدود؟

أين نحن من توحيد العملة؟

أين نحن من الشراكة والتكامل الاقتصادي؟

أين نحن من توحيد الجهود والسياسات؟

أين نحن من استعادة واستيعاب الأدمغة والعقول المهاجرة؟

أين نحن من إعطاء البحث العلمي مكانته في التنمية؟

أين نحن من وحدة الكلمة والموقف؟

أين نحن من تجربة الاتحاد الأوروبي الاتحادية؟

أين نحن من إجماع الأمة حول كل هذه المسلمات المطلبية؟

نحن في المغرب العربي كما نحن في المشرق العربي في غفلة من الزمن لا نحسد عليها.

لنفرض أن تفاهما ما قد حدث خلال القمة المغاربية المتوقعة بين الجزائر والمغرب للدفع بالاتحاد إلى الأمام، فنجحت القمة إعلاميا فعلت الوجوه تباشير البشرى، فهل طويت الصفحة فعلا؟.

سيكون أمام الاتحاد أشياء غاية في الأهمية يجب إنجازها وأول هذه القضايا وأكثرها إلحاحا وخطورة قبل الإصلاح السياسي وقضايا النهوض بالوضع الاقتصادي والاجتماعي والعلاقة مع الجيران الشماليين وغيره، تأتي قضية الصحراء الغربية، إذ بدون حل هذه المشكلة سيظل الاتحاد يعرج، مرة يخطو خطوة ومرات يتعثر ويتراجع خطوات.

الغريب في الأمر أنه منذ تولد هذه المشكلة في العام 1975 لم يحدث أن قامت مبادرة في الإقليم المغاربي جادة لإصلاح ذات البين. وإذا كانت المشكلة الصحراوية تعني المغرب والجزائر أولا فإنها تعني بقية دول الاتحاد الخمسة أيضا وتعني الدول العربية واحدة تلو الأخرى وتعني العالم الإسلامي بطوله وعرضه “المسلمون تتكافؤ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم” حديث صحيح.

المشكلة الصحراوية تعني موريتانيا بدرجة لا تقل خطورة عن الجزائر والمغرب ذلك بأن أي حل يتم التوصل إليه بدون مشاركة موريتانية فاعلة في تفاصيله وحيثياته سيكون على أقل تقدير على حسابها قطعا ويقينا.

الدبلوماسية الموريتانية ظلت طوال عقود من الزمن بعد انسحاب الجيش الوطني من الصحراء 1979 حبيسة مبدإ الحياد، الأكيد أنه لم يكن حيادا إيجابيا بدليل أنه لم يقدم ولم يؤخر. لقد كان حيادا أقرب إلى السلبي، فلقد كان بوسع موريتانيا أن تبذل من الجهود والمساعي، ما يمكنها من تحريك المياه الراكدة بين أطراف النزاع بعد أن غسلت يدها منه، والعمل على إحداث خرق في جدار الأزمة، التي أصبحت بمثابة قميص عثمان، فموريتانيا معنية بالمشكلة بشريا ومعنية بها أمنيا ومعنية بها جيوسياسيا ومعنية بها دينيا وأخلاقيا. فما الذي حال بين الدبلوماسية الموريتانية ولعب دور الموفق بين أشقاء الدم، أشقاء جيران لا مبرر لوجود شقاق بينهم، علما بأنه كلما طال عمر المشكلة كلما كان ذلك على حساب أمنهم القومي وبلا استثناء.

ليتهم تمثلوا وصية جبريل الأمين للرسول عليه الصلاة والسلام “ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه” حديث صحيح.

التساؤل قد يكون القائمون على الشأن الخارجي أدرى الناس بالإجابة عنه للتاريخ.

فهل الأمر ناتج عن خلل عارض أم خلل عضوي أم لسبب آخر؟

المشكلة الصحراوية يجب أن تحل وبما يرضي أهل الصحراء ولا يغيب عن الأذهان أنهم جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والبشري للمنطقة تأبى قوانين الجغرافيا والتاريخ تجاهلهم أو إهمالهم بحكم انتمائهم للقبائل العربية المسلمة المحيطة.

أمام الاتحاد المغاربي من بين القضايا التي تحتاج المراجعة إشكالية التدخل العسكري الأجنبي في المنطقة، في داخل الحيز الجغرافي للاتحاد وعلى حدوده والتي تمثل تحديا مباشرا.

وحدها الجزائر أعلنت صراحة رفضها لهذا النوع من التدخل لما يحمل من مخاطر على المنطقة وأهلها.

في ليبيا رأينا ما حدث، فلا زالت ليبيا تكتوي بنيران التدخل الأجنبي وتبعاته والذي جاء بالموازاة مع الثورة فخلط الأوراق وانتهى الحال إلى تحارب بالوكالة.

في العام 1986 استعانت دول الخليج بضوء أخضر من العراق بالأسطول الأمريكي لحماية الملاحة البحرية في مضيق هرمز وبحر العرب، حينما انتشرت ظاهرت الألغام المضادة للسفن في خضم الحرب العراقية

الإيرانية، حينذاك حذر ناصحون من هذه الخطوة التي قد تفتح شهية الأجنبي للتدخل وتستسهل الاستنجاد به. ما لبثت الحرب أن وضعت أوزارها في العام 1988 وانسحب الأسطول وبقية القوة إلا قليلا.

عاد الأسطول سريعا مع جحافل العدوان 1991 بحجة تحرير الكويت إلا أنه لم يغادر كلية بعد انتهاء الجولة الأولى من الحملة العسكرية الأمريكية. وفي عدوان 2003 تدخلت قوات بأضعاف ما تدخل في العام 1991 ولم تغادر العراق إلا وهي طريدة مضطرة بعد تكبدها خسائر فادحة في الأرواح والمعدات ذكرت الأمريكان بحرب افيتنام، علما أن المبررات التي برروا بها التدخل تبين فيما بعد أنها كذب في كذب.

وإلى الآن تتمركز قوات وقواعد ثابتة في كل من صحراء العراق بعد أن طردوا من المدن وهم صاغرون والكويت، قطر والبحرين، وربما بشكل أقل في كل من السعودية والإمارات، بخلاف حديث رسول الله صلى عليه وسلم “لا يجتمع دينان في جزيرة العرب”.

الآن يخيم شبح الحرب على جزيرة العرب وبلاد الرافدين وما جاورهما مجددا بفعل تواجد القوى العسكرية الأجنبية على الضفة الغربية للخليج وفي المياه المجاورة. إنها بالوعة مصانع السلاح الغربية ودوائر صنع الكذب والأزمات تهمس وتصرخ، الحرب الحرب.

خلال عدوان 1991 و 2003 على العراق لم يسلم الحجر ولا الشجر ولا البشر. الأطفال والشيوخ والنساء والعزل استهدفوا في الملاجئ والمستشفيات والمدارس والأسواق بواسطة الطائرات الحربية وقاذفات القنابل الضخمة والصواريخ وحينما استنفدوا بنك الأهداف انتهى بهم الأمر إلى استهداف الجسور والطرق والتجمعات المسالمة ولم تسلم النخلة ولا عمود الكهرباء فما جاس هؤلاء العلوج خلال الديار إلا وعاثوا في الأرض فسادا واستباحوا كل شيء، الدماء، الأموال والأعراض.

التدخل العسكري الأجنبي إذن هو نوع من الاستعمار الجديد يراد منه إرجاع المنطقة وأهلها إلى عصور القرون الوسطى، تارة من خلال الفوضى الخلاقة والصراع الطائفي المصطنع وتارة من خلال إيجاد موطئ قدم بطريقة مقبولة على شكل قاعدة عسكرية أو ما شابه، و لا يخفى على أحد دور اليهود في حبك الخطط وتدبير المكائد وإشعال الفتن بالتنسيق مع دوائر استخبارات معلومة بغية تخريب بلاد العرب والمسلمين.

وبالنظر إلى ما آلت إليه الأوضاع في الدول التي شهدت تدخلا عسكريا أجنبيا فإن الاتحاد المغاربي مطالب بأن يعيد النظر بموضوع التدخل العسكري الأجنبي لاتخاذ موقف صريح منه وبما يجنب المنطقة الدخول في أتون صراعات هي المدخل لمزيد من التغلغل الاستعماري، صراعات يمكن احتواؤها بمزيد من الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتصالح مع الذات، فأهل مكة أدرى بشعابها. إنها جولة من معارك الاستقلال السياسي شئنا أم أبينا، ذلك بأن تأجير السيادة أو التخلي عن جزء منها هو انتقاص للسيادة إن لم يكن هدما لمبدأ السيادة، قد لا يسهل تخيل عواقبه على كيان وتمساك الدولة. يتبـع

انواكشوط بتاريخ : 24 ربـــيــع ثــانـي 1440 هـــ

الموافق 31 ديسمبر 2018 م

*ـ عقيد متقاعد

من مواليد مدينة أطار

المؤهلات العلمية:

باكلوريا وطنية

ليسانس حضارة وإعلام ـ المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية

بكالوريوس علوم عسكرية ـ جامعة مؤتة الأردنية

ماجستير علوم عسكرية وإدارية ـ جامعة مؤتة الأردنية

ماجستير علوم إستراتيجية ـ أكاديمية ناصر العسكرية العليا ـ مصر