رأي الفقهاء في بيع الفضة المهترئة بأفل من ثمنها

أحد, 01/12/2025 - 17:49

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..
1. تصوّر المسألة: رجل لديه أوراق نقدية ورقية مهترئة (عشرة آلاف أوقية من "الفظة الخاسرة" مثلا) وهي مضمونة لدى الجهة المصدرة بقيمتها كاملة؛ ولكنه يحتاج إلى وقت وطابور ليحصل على قيمتها. فيجد من يشتريها منه بأقل من قيمتها (ثمانية آلاف مثلا) فهل يجوز له ذلك؟
2. العقدة الفقهية: الإشكال الفقهي في الأمر؛ أنه لا يجوز بيع نقد بنقد من جنسه إلا بشرطين:
أ. المناجزة: أن يكونا يدا بيد (وهذا حاصل في العملية غالبا)
ب. أن يكونا مثلا بمثل (دون زيادة ولا نقص)
 والحال هنا أنه بدا وكأنه باع عشرة آلاف أوقية بثمانية آلاف أوقية؛ وهو من "ربا الفضل"
3. وقفت اليوم على كلام نقله ابن رشد الجدّ عن مالك (لعلّه من المستخرجة؟!) يمكن أن تخرّج المسألة عليه (ومضمونه في المختصرات) ونصّه: 
"وسئل [الإمام مالك] عن الرجل يأتي بفضة له إلى سكّة بيت الضرب؛ ضرب الدراهم فيعطيه فضة ويعطيه أجرة منها ويأخذ منه أجرة (لعلّها: أخرى) مضروبة؟
قال: لأرجوا أن يكون ذلك خفيفا، وقد كان يعمل به بدمشق فيما مضى، وتركه أحبّ إلي، وأما أهل الورع من الناس فلا يفعل ذلك"
البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لما في المستخرجة من الأقاويل، لأبي الوليد ابن رشد، طبعة دار الغرب الإسلامي 1984: 6/442
4. قلت: ما دامت العقدة الفقهية واحدة في المسألتين (أنه لا يجوز بيع نقد بنقد من جنسه إلا يدا بيد مثلا بمثل) وقد خفف الإمام مالك في مسألة دار الضرب ولم يرها من باب "ربا الفضل وذكر أن العمل بها كان جاريا فيما مضى بدمشق (مع ترك باب التورّع مفتوحا لمن أراد) وكأنه يرى أن ما يدفع مبتغي ضرب دراهمه إنما هو في مقابل أجرة إعفائه من الجهد والطابور والانتظار... فإنه لا يبعد عندي أن يكون أمر بيع النقود المهترئة بأقل من قيمتها "أمرا خفيفا" ومن أراد أن يتورع فله ذلك؛ واعتبار ما يضعه بائعها من قيمتها أحرة للمشتري مقابل إعفائه من الجهد والطابور والانتظار... وذلك تخريجا على الفرع الفقهي الأصيل.
والله تعالى أعلم
د. محمدٌ محمد غلام