كفى تلاعبًا .. طفح الكيل/ زينب بنت سيديني

اثنين, 08/25/2025 - 00:07

في الوقت الذي يتعين على الموريتانيين الوقوف إلى جانب الجهود المبذولة من طرف فخامة رئيس ألجمهورية السيد محمد الشيخ الغزواني الرامية إلى  مكافحة الفساد والرشوة واضفاء الطابع المهني على أجهزة الدولة الأمنية و الإدارية والاقتصادية وتعزيز العدالة الإجتماعية وتحسين أوضاع الطبقات الهشة حماية  الوحدة الوطنية والعمل على التهديئة السياسية والرفع من مستوى الممارسات الديمقراطية ، 
وبعد دراسة وتحليل شاملين لما تم الحصول عليه من إنجازات خالدة على جميع الأصعدة رغم صعوبة الأوضاع الراهنة، مما يحتم علينا صيانة هذه المكاسب وتوطيدها.
تطل علينا تنظيمات قبلية تدعي أنها مناصرة للنظام، مع أنها اعتادت عدم الامتثال لتوجهات القيادة الوطنية، وعودت الجميع على التعامل مع الدولة بالندية والابتزاز، ومقولة: “خذ ما عندها ولا تجعلها وطنًا!!
وهذا يتناقض مع ضرورة تعزيز هذه المكاسب، والوقوف إلى جانب القائد، والامتثال لتوجهاته المتمثلة في مواجهة النفس القبلي المتصاعد، والدعوة للإنصاف وحماية الوحدة الوطنية، ونبذ التفرقة والصراعات المدمرة.
وفي هذا الإطار يتنزل تعميم وزارة الداخلية القاضي بمنع التجمعات القبلية. ومن الغرابة بمكان أن هذا لم يمنع التشكلات المشاكسة والمناهضة للدولة من السعي لفرض نفسها بالقوة، والوقوف كحجر عثرة أمام ترقية السلم الاجتماعي، والتحلي بقيم المواطنة والنهج الديمقراطي الذي رسمه فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد  الشيخ الغزواني، ودعا له في أكثر من مناسبة: خطاب وادان التاريخي، ونداء جول، وغيرهما.
ومع ذلك ظلت التشكلات المشاكسة تعزز المحسوبية، وتبعث بالصور الاستعراضية الناطقة بالخصوصية والتفاوت الاجتماعي الواضح. كل هذا يستهدف النيل من هيبة الدولة وإدارتها، وقدرتها على فرض القانون، وحتى ضمان الاستقرار والتنمية والعدالة.
هذه الصور التي يتم إرسالها للعالم تساعد على نشر الفوضى، وتعطي الانطباع على أن موريتانيا اضحت  شيعا وطوائف تتحكم فيها قبائل فوق القانون! ويتم هذا عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت وقودًا لإشعال الفتن، ونشر الكراهية، ونزع الثقة، وترويج الدعاية الكاذبة المضللة قصد الإفساد.

هؤلاء الاستعراضيون يجب أن يتوقفوا عن إفساد الحياة السياسية، وتعليم الأجيال الصاعدة الخروج على القانون، وإعطاء الانطباع أن القبيلة أقوى من الدولة!! وهذا غير صحيح، فالدولة هي الضامن الوحيد للبقاء في هذا العصر، وعلى الجميع الخضوع للقانون، كما على السلطة التنفيذية فرض القانون وحماية المصلحة العامة للمواطنين.
وعلى الزعماء التقليديين والمشايخ المحترمين أن يعوا جيدًا أنه لا مجال لإعادة بناء أمجاد القبائل في ظل دولة القانون والمؤسسات، وأن دور القبيلة يجب ألّا يتعدى التعارف الذي نص عليه ديننا الحنيف، والذي جعل الأفضلية بالتقوى، حيث يقول جل من قائل: “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم.”
وحمدًا لله الذي لم يقل “أقواكم” لئلا تبتلع قبيلة قبائل أخرى! وعلى القائمين على الشأن العام أن يضعوا في عين الاعتبار أن التغاضي عن القبلية وتركها تخاطب الانتماء الاجتماعي، وتدعي أمام البسطاء أحقيتها السياسية على الجميع وأنها فوق القانون، وتوظف صلة الدم المشترك والقرابة والمصاهرة والموروث التقليدي وحمية الجاهلية والعلاقات ما قبل الدولة… تلك أمور تشكل مادة قابلة للاشتعال بسرعة البرق، ولابد من وضع حد لهذه المخاطر قبل فوات الأوان.

يقول المثل: الحرب أولها كلام.
وعلينا جميعًا أن ندرك أن تمسك القبائل في العصر الحالي بالعادات الجاهلية، كالتفاخر بالحسب والنسب، ورغبتهما في الاعتداء على الآخر، والسعي لبسط السيطرة على الشأن العام، والتمسك بالطبقية، وامتهان الأشخاص كسلع لابتزاز الأنظمة، يعتبر متاجرة بالبشر.

كل هذا يشكل خطرًا كبيرًا.
إن التغاضي عن القبلية والطائفية والعنصرية يشكل خطرًا كبيرًا على مستقبل هذا البلد المتعدد الأعراق.
إن ما حصل في الصومال والسودان واليمن وحتى مالي يفرض على الجميع الانتباه للممارسات الخاطئة، والعاقل من يتعظ بغيره لا بنفسه.

نحن لا ننكر أن القبيلة كانت تلعب دورًا هامًا في المجتمعات التقليدية، حيث تشكل وحدة سياسية واقتصادية واجتماعية تحمي أفرادها من كل خطر خارجي، ويتجسد ذلك في المقولة: “أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب.” كان ذلك عبر العصور الغابرة وقبل وجود الدولة، أما الآن فنحن في دولة القانون والمؤسسات، وكجزء من هذا الكون الذي يعتبر قرية واحدة محكومة بظاهرة العولمة. ولا شك أن هذه الدولة قائمة على رباعية: الشعب، والأرض، والقانون، والسلطة، وينبغي ألّا يحدث اختلال أو تجاهل لهذه الرباعية، فالأرض والشعب خاضعان لسلطة القانون، ويعتبر القانون هو العقد الاجتماعي الرابط بين هذه الأركان، ومن خلاله تتحمل السلطة التنفيذية مسؤولية حماية الدولة وتطبيق القانون على الجميع، ولا أحد فوق القانون.
فالمصلحة العامة فوق الجميع.
وباسم الشخصي وباسم منظمات حقوق الإنسان نوجه نداء لأصحاب الضمائر الحية، ولكافة الوطنيين أن يقفوا جنبًا إلى جنب مع الدولة لصيانة المكتسبات الديمقراطية، والحفاظ على الأمن والاستقرار، وأن يبتعدوا كل البعد عن التنظيمات الضيقة، ويتأكدوا أن الدولة هي الضامن للأمن والاستقرار وحماية الحوزة الترابية، وهي المخولة احتكار القوة الشرعية، وتوفير الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم وحماية الأنفس والممتلكات. وهذه الخدمات الأساسية لا يمكن لأي كان أن يوفرها سوى الدولة.
وتجب الإشارة إلى أن أفضل الأحوال التي يمكن للقبيلة أن تتمسك بها أن تظل قيمة اجتماعية فقط، ويمكن أن يتغير ذلك إذا ما تغيرت القيم المتصلة به. لذلك فإن البديل الذي لم يستشر أحدًا في تقبله، نظرًا لكونه تتويجًا لمرحلة حافلة من التحولات البشرية، هو الدولة الوطنية التي تنظر إلى الأفراد فيها كمواطنين لا رعايا. ومن الجدير بالذكر أن التغاضي عن أنشطة القبلية يعطي مبررًا لجميع الحركات الضيقة للخروج على القانون.

ومن هنا نوجه نداء لكافة الفاعلين: كفى تلاعبًا بالوحدة الوطنية، طفح الكيل.

زينب بنت محمد سيديني