تاريخ ظهور الحركة الكادحة في موريتانيا

أربعاء, 04/29/2020 - 08:31

حركة الكادحين

يعود ظهور هذه الحركة إلى ما بعد نكسة ٦٧ وما نتج عنها من تصدع في جدار الصف العربي مما احدث تحولا نوعيا على مستوى الوعي الاديولوجي حيث اتجهت فئة من المثقفين من طلبة الجامعات وتلامذة المدارس والنقابات المهنية اتجاها يساريا ماوى الهوى في ظل نظام جمهوري ولد من رحم أجنبي في مدينة سينت لويس وعلى ذكر هذه المدينة لابد من وقفة لارتباطها بأحداث صنعت تاريخ موريتانيا المعاصرة ابتداء من اسم البلد وانتهاء بصفة همزة الوصل ما بين سنة ١٨١٧ إلى ١٩٥٧

ومنها انطلقت العمليات العسكرية للنقيب فيديرب للسيطرة على مزارع الوالو الخصبة التابعة لإمارة الترارزة في عهد الأمير محمد لحبيب سنة ١٨٥٨ ومن قبل ذالك بسنة صدر مرسوم لتأسيس كتيبة لما يعرف بالرماة السنغاليين سنة ١٨٥٧ اللذين كان لهم دور في كل الحروب الاستعمارية الفرنسية (موريتانيا الجزائر فيتنام) ومن سينت لويس تم التخطيط لاحتلال أراضي البيظان للربط بين مستعمرات الشمال و الجنوب وفي سينت لويس تشكلت أول حكومة موريتانية حيث كانت تدار موريتانيا ومنها انتقلت الإدارة إلى نواكشوط سنة ٥٧ لتكون عاصمة موريتانيا الجديدة والنسخة المكررة لمدينة سينت لويس العجمية الوجه واللسان

ومن المفارقات العجيبة أن أول مبنى شيده الاستعمار هو دار قدماء المجاهدين والمقصود بالمجاهدين هم الرماة السنغاليون وكبولاني المفوض العسكري الفرنسي والعقيد غورو

وكأن المقصود بالجهاد هو استعمار موريتانيا

ومن صفحات هذا المنبر أناشد الرئيس بتغيير اسم هذه الدار واستبدالها باسم دار لتخليد ذكرى الشهداء و المناضلين في سبيل الله والوطن من أمثال الشيخ حسن ولد الشيخ ماء العينين والأمير بكار ولد سويد احمد وسيدي ولد مولاي الزين والأمير احمدو ولد ولد سيدي اعل والأمير سيدي احمد ولد احمد عيدة

تمت هذه النشأة الضبابية في ظل مطالب مغربية مرفوضة من قبل المستعمر

من هذه المتناقضات الإقليمية و الدولية برزت حركة الكادحين سنة ٦٩ عقب مؤتمر دمشق ٦٨ من بين كوادر التيار القومي العربي وقدمت طرحا تقدميا وقتها قائما على الاشتراكية والصراع الطبقي والفكري الديالكتيكي مع التحفظ على الموقف من الدين إذ أن الأولوية للمواطنة وحماية الأقليات فضلا عن العمل على تذويب التناقض بين القوميات

في إطار الوطن الموحد مع إعطاء الأفضلية لرأي القومية البولارية وقد شهدت الحركة سلسلة من الانشقاقات غير الجوهرية في مسارها النضالي إلا أن الإجماع بقي منعقدا على حظر التعبير في موريتانيا عن الانتماء العربي لما يرونه في ذالك من تهديد للوحدة الوطنية ولقيم المواطنة وفي هذا الإطار قبل إطلاق اسم موريتانيا على الدولة وصفة همزة الوصل التي عبر عنها كبولاني وتبناها الرئيس الأسبق المختار ولد داداه إلا أن الحركة تجاوزت ذالك إلى الدولة الزنجية تجاوبا مع تطلعات القومية البولارية وبعض نشطاء حقوق الإنسان في الغرب

وهي مواقف ظهرت مبكرة حين قاطعت الحركة صلاة الغائب على روح الزعيم الراحل جمال عبد الناصر سنة٧٠ وواصلت التشهير بالزعماء العرب حيث كان صدام مبيد الأقليات والداعم للمؤسسة العسكرية الموريتانية في نزاعها مع الجارة المسالمة السنغال ووصف القذافي ببوكاسا العرب

كما كان للحركة دور بارز في تشجيع الأنظمة العسكرية على ملاحقة الناصريين وقتلهم تحت التعذيب سنة ٨٠ واجتثاث البعث من الجيش سنة ٨٨ لكونهم من البيظان ردا على من تم إقصائهم من الجيش على اثر محاولة انقلاب ٨٧

ومن ثم فإنهم يدعون مختلف القوميات والشرائح الاجتماعية إلى الاصطفاف في وجه حكم الأقلية التي تسيطر على السلطة والثروة في تقاطع جلي مع المتطرفين من هيئة نجدة العبيد مما يدفع إلى تنامي الشعور العدائي ضد ما يصفونه بحكم الأقلية

ومن آرائهم المعبر عنها أن يبقى الجيش بعيدا عن السياسة مع أن البلاد لاحتاجه أصلا وطالما انه أمر واقع يجب أن تبقى تعبئته المعنوية قيد الرقابة خاصة وان عقيدته العسكرية مبنية على حماية دولة البيظان العنصرية والأسوأ من ذالك أن كبار قادته ينحدرون من القبائل العربية ذات الشوكة وفي السياسة الخارجية للدولة لايرد في أدبياتهم ذكر للعلاقات العربية ويرون في الخروج من المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا ضررا على المصالح العليا للبلد

في حين لم تجلب له عضوية الاتحاد المغاربي سوى المزيد من المشاكل

ويحرصون على تعزيز علاقات التعاون مع فرنسا في المجالات الثقافية دون الأمنية والعسكرية والعروبة بالنسبة لهم ليست حضارة بل علاقة طبيعية تقوم على رابطة الدم في محيط القبيلة ويرون أن السلوك الهمجي للأمراء العرب الذين كانوا يحكمون البلاد في القرن التاسع عشر هو الذي ساق الموريتانيين إلى الحروب الأهلية والاقتتال على الثروة والسلطة وان عجرفتهم وشراهتهم هي التي أدت إلى ألاحتلال الفرنسي لموريتانيا في نهاية القرن التاسع العشر وأن العرب ليسوا أمة فالدول الواقعة في شمال إفريقيا ودول الشام والخليج كل هذه الأقطار فرضت عليها الهوية العربية تحت ظل السيف أثناء الفتح الإسلامي في القرن ألأول والثاني الهجري وهي في حقيقة أمرها تنتمي للأمازيق في شمال أفريقيا والأقباط والزنوج في مصر والسودان والفينيقيين والفرس في الشام والعراق والخليج وليس من العدل أن تفرض الحضارة العربية على كل هؤلاء واللغة العربية لغة شفهية غير مكتوبة فالحروف والأرقام التي تستخدم فيها فارسية وظفت في عهد متأخر لتدوين القرآن وحفظه والعربية فضلا عن كل ما ذكر لغة خطابة وشحن أيديولوجي تدعو إلى التفوق العرقي وانتهاك حقوق الإنسان

ويبقى الحل في التمسك باللغة الفرنسية تعزيزا للوحدة الوطنية والانفتاح الحضاري والتفاعل مع المحيط الأفريقي والدولي وفي مجال الأمن القومي فان جرائم امن الدولة تتمثل في الدفاع والترويج للهوية العربية

والقائل بعروبة موريتانيا مزيف لوقائع التاريخ ومرتكب لجريمة التحريض على الكراهية وتخريب الوعي الوطني

هذا ومما لاخلاف عليه بين الباحثين أن هذه الحركة تتشكل من نخب سياسية وفكرية معتبرة وان لديها رصيد من العلاقات الحميمية مع الدولة الفرنسية تقتضي التشاور في المواقف وإطلاق الإشاعات وإرهاب الخصوم وإبعادهم عن مراكز اتخاذ القرار وهو ما يبعث على الخشية والخوف من الحديث عن هؤلاء

بهذا الثقل المختلف الأبعاد تحتل الحركة مكانا مفصليا في الدولة ابتداء برآسة الجمهورية حيثوا سيطروا على الديوان طيلة ٢٠سنة حتى نهاية ٢٠٠٥ وقمة السلطة القضائية في رئاسة المحكمة العليا من ٢٠٠٥ إلى ٢٠٠٩ وكافة المؤسسات الإعلامية والبنوك التجارية وانتهاء بمنظمات المجتمع المدني حيث تصل نسبتهم فيها إلى 99% كما يوجد نشطاء منهم في سلك المحامين الفرانكفونيين الداعيين لفتح ملفات ما يعرف بالإرث الإنساني للتحقيق مع ضباط سامين من البيظان في الجيش بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية

وليس سرا أن هذه الحركة حكمت البلاد بالوكالة من سنة ٧٩ حتى ٢٠٠٨

وحققت بذالك أكثر من 80% من أهدافها وتمكنت بحرفية عالية من التنكيل بخصومها عن طريق الدولة والانفلات من وجه العدالة في جرائم الفساد وأمن الدولة وجرائم ضد الإنسانية كالتحريض على قتل البيظان بالذبح والحرق أثناء الأزمة مع السنغال

وبقيت الوحيدة من بين كل الحركات السياسية بعيدة كل البعد عن كل الشبهات والملاحقات السياسية

والأكثر غرابة من ذالك انه لم يتم رصد خروج عنصر واحد من الحركة خلال مسارها الطويل رغم ما ارتكبته من أخطاء

ومع هذا كله فقد بقيت تفتقد إلى القاعدة الشعبية والتأييد الجماهيري لينحصر نشاط الحركة المعلن في حزب إتحاد قوى التقدم الممثل بقوة في البرلمان بغرفتيه

وجناح غير مصنف تركوا له حرية التحرك بين المعارضة والمساندة

مما يسهل القول بأن الحركة قمة بلا قاعدة تذكر

وان بقيت الأوفر حظا والأكثر حيوية ونشاطا

وأخيرا فاني اعتذر للمتلقي الكريم عن الإطالة والتوقف به في بعض المحطات الجانبية راجيا أن أكون قد التزمت الموضوعية والحياد فيما تحدثت عنه تاركا مجال التقدير للمتتبع الكريم لما قد يكون عليه الحال حين يصل هؤلاء إلى السلطة الفعلية أو العودة إلى السيطرة على نظام حكم منتخب يشككون في شرعيته ويراهنون على سقوطه ما لم يطبق مطالبهم

على أمل رجوع الأمس الدابر فالغاية في دينهم تبرر الوسيلة

ولله الأمر من قبل ومن بعد