حوار: محمد جميل أحمد
العلامة الجليل معالي الشيخ عبد الله بن بيه (رئيس منتدى تعزيز السلم) هو أحد أبرز العلماء المشتغلين بتدبير تصورات منهجية حيال وعي تناقضات المسلمين في العالم الحديث من خلال أطروحاته الرصينة في مجال الفقه المقاصدي. وتكمن أهمية الحوار مع العلامة عبد الله بن بيه، ليس فقط لناحية قدراته المعرفية كفقيه مقاصدي وأصولي مرموق؛ بل كذلك لامتلاكه معرفة فلسفية عميقة للنظر في إشكالات العالم المعاصر، وانهمامه بتأصيل مبدأ التعايش السلمي العابر للأديان إذ تمثل جهود العلامة بن بيه في هذا الصدد اجتهادا أصيلا ومتفردا، وطرحا موضوعيا لمنهجية الحجاج المعرفي حول قضايا الإسلام، والايدلوجيا، والإرهاب وحقوق الانسان. لكل هذه الحيثيات كان لمجلة الحوار هذه المقابلة مع صاحب: “تنبيه المراجع على تأصيل فقه الواقع” و “الإرهاب التشخيص والحلول” وغيرها، حول الكثير من قضايا واقع العالم الإسلامي المتصلة بالعنف، والدولة الإسلامية، والإرهاب والتخلف وغيرها من القضايا.
….
هناك نزاع اليوم على صورة الاسلام بين مرجعيات مختلفة حركية وتقليدية، وأدى هذا النزاع إلى بروز فهوم متطرفة وخطيرة؛ كيف يمكن تسكين علاقات المسلمين المعاصرين بمفهوم معرفي للإسلام ينزع عنه التأويلات المتخلفة أو المتطرفة؟
نعتقد أن تجاوز وضع التشردم المرجعي الذي تعيشه الأمة صار حاجة ماسة بل ضرورة حاقة ، وهو وضع يتجلى فيما أشرتم إليه من صراع التأويلات وتنافس الخطابات المتمانعة التي يدعي كل واحد منها احتكار التمثيل الشرعي للأمة والتأويل الصحيح للدين، وقد تطور هذا التنافس من حالة نزاعات مذهبية واصطفافات ايديولوجية إلى أن أصبح يغذي حروبا أهلية أهلكت الإنسان والأوطان ولم تقم وزنا ولا اعتبارا للأديان.
إن الخروج من هذا الوضع يحتم على جميع المرجعيات المختلفة العمل على إبراز القواسم المشتركة ووضع منطقة للقبول تتيح حدا أدنى من الاعتراف المتبادل والتواصل، بما يسمح للنخبة الواعية أن تذيب مقولات الأطراف في بوتقة مفهوم معرفي حقيقي للإسلام يقوم على الكليات الشرعية ويعكس روح الإسلام التوافقية والمصلحية التي لا تناقض في جوهرها ولا اختلاف في أصلها (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا).
إن الامتناع عن هذا التناقض والتعارض هو الذي يسدّ الباب أمام “تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين”، ويضمن إمكانية مستوى مقبول من التنسيق في إيجاد الآليات العملية لتوصيل هذا المفهوم المعرفي المؤصل.
وخلاصة القول أنه أمام التحديات الكبرى والتهديد الوجودي للأمة على مستوى الدول وعلى مستوى المجتمعات وهو تهديد يطاول وحدة دولها وتماسك مجتمعاتها بل يطاول مجرد بقاءها فإنه لا مكان للخصومات المذهبية وللمناوشات الفروعية فالخطب جلل وطم طوفانه السهل والجبل ويصدق فينا تساؤل الشاعر:
صاحِ هل يحتال في دفع العصا * من أظلته الحُسامات القُضُب
….
واقعنا اليوم يفرض قراءة جديدة في ضوء الشرع
باتت ضرورة مجتمعات المسلمين إلى السلم فيما بينهم وبين العالم من أهم الضرورات التي تفتقد إليها تلك المجتمعات ؛ هل بالإمكان تعميم رؤية إسلامية تساهم في إعادة السلم في تلك المجتمعات؟
إن الرؤية المشار إليها في الجواب الآنف تكون من خلال التعاون والتنسيق المخلص بين جميع مكونات النخبة من علماء وحكماء ومثقفين متنورين وصناع القرار في إطار حركة كبرى ثقافية تنشي تيارا هو تيار الأمة، تيار السلم الذي ينبذ التكفير والتفجير والطائفية، ويقدم للمسلمين رؤية واسعة تحمي مصالح الأمة وتواجه الأخطار والتحديات وتزيل وهم التناقض بين الإسلام وبين قيم التعايش والسلم.
هذه الرؤية التي نتبناها في منتدى تعزيز السلم تقوم على مركزية القيم الأربع للإسلام وهي العدل والرحمة والمصلحة والحكمة -كما يقول ابن القيم، من خلال إعادة حضور هذه القيم في تصورات المسلمين وسلوكهم ومن خلال التنزل المعرفي إلى ميدان المنهجية العلمية العميقة التي من شأنها أن تفكك بناء الإرهابيين، وتنقض عرى ما عقدوه من مفاهيم محرّفة، وتعيد وضع هذه المفاهيم الشرعية في إطار سياقاتها الأصلية ومساقاتها التنزلية.
….
ثمة فوضى في تمثل المسلمين لتاريخهم الإسلامي واستذكار للجوانب الحربية والقتالية فيه مع عدم قدرة على تعيين صورة أقرب للموضوعية حيال ذلك التاريخ ما هو السبب؟
السبب الرئيس هو أن الحقب المختلفة شهدت نزاعات وحروبا أحيانا في الداخل وأحيانا مع دول الجوار التاريخي وبخاصة الأوروبي استنجد فيها بالذاكرة التاريخية المكتوبة عن الغزوات والحروب والانتصارات فعلى هذا الجانب تم التركيز في كتب السيرة بلا مراعاة للسياق بدل التركيز على تاريخ الدعوة السلمية التي تمثله البعوث. النبوية للدعوة المعروفة وهي ضعف الغزوات. وسيرة الرسول عليه السلام تزكي قيم الصلح والمصلحة، وأن المسلم يمكن أن ينهزم لوجه الله تقليلا للمفاسد وتكثيرا للمصالح، وهو عليه الصلاة والسلام رجع عن حصار الطائف بعد أن تضرر المسلمون من حصاره الطويل، فلم ير ذلك منقصة أو عيبا، وكذلك كان صلح الحديبية. هذه النماذج المشرقة الكثيرة في تاريخنا من البحث عن السلام والإيمان بجدوى المصالحات والعهود، توضح أن تاريخنا لم يكن حربا مستمرة، ولا أن الإسلام قامت حضارته على شن الحرب على العالم.
إننا لا نريد أن نحاكم تاريخنا أو نشتمه أو نطعن في رمزيته في وعي الأمة المهزوز، أو نمنع حق التخيّل، وإنما نريد التأكيد على أن الفهم السطحي المثالي الزائف للتاريخ حيث المسلم المنتصر دايما بالحرب، وحيث لا اعتبار للمصالح والمفاسد وميزانها المركب، أن هذا التصور خلل عميق في منهج الخطاب الإسلامي المعاصر. فلا بد أن نصحح التصور عن أسباب نهضة الأمم، وأن لها سننا كونية مبناها على قيم الحكمة والمصلحة.
….
التطور الزماني والواقع الإنساني يقترحان صورا مغايرة للصور التي نزلت فيها الأحكام الجزئية
أصبح المسلمون شبه عاجزين عن الاندماج في منظومة العالم الحديث هل السبب في ذلك يعود إلى تخلف المسلمين أم إلى امتناع كامن في اصول دينهم؟
إن الإسلام برحابة تشريعاته ومراعاته لأوضاع الإنسان في كل الأحوال وحاجاته في سعتها وضيقها، في قترها ورخائها يهيئ للمسلمين الشروط الفكرية والثقافية للانخراط الواعي والفاعل في الحضارة المعاصرة، بل يوجب عليهم مواكبة أوضاعهم الحضارية ولا يقف عقبة في سبيل نهضتهم.
الأزمة في معظمها أزمة عجز عن استيعاب الفكر الإنساني من فلسفة وتاريخ بشري وسنن كونية للانخراط في الحضارة من جديد وإزالة عقد الفساد والاستبداد ولا شك أن ضحالة التفقُّه تشكّل وجها من أوجه الأزمة. ومن ثم فإن السبب في ما هو مشاهد من تمنُّع المسلمين على الاندماج في منظومة العالم الحديث هو هو التخلف والجهل المركب والمزدوج بالدين وبمنظومة العالم الحديث.
فهيمنة الفهم الجزئي الاجتزائي للنصوص والتعامل العبثي الذي لا يقيم اعتبارا للمصالح والمآلات والوعي المزيف بكليات الزمان وروح العصر وبمنهجية الربط بين مقتضيات كلي الإيمان وكلي الزمان كل هذا خلق ثقافة مأزومة أدخلت على المسلمين حرجا وضيقا ووضعتهم في مواجهة خاسرة وانتحارية مع عالمهم المعاصر.
….
هل يمكن القول أن المنهجية المقاصدية أصبحت بمثابة واجب الوقت للخروج من تناقضات ذهنية المسلم المعاصر مع متغيرات الأزمنة الحديثة؟
هذا الرأي صواب فإن التعامل مع النصوص بلا مقاصد والفروع بلا قواعد أحد أهم الأخلال المنهجية التي أدت إلى أزمات فادحة في علم المسلمين. الوعي بالمقاصد هو أحد المستويات الثلاثة للمنهجية السليمة.فالخلل في الثقافة المأزومة يطول ثلاثة عوالم، عالم التأويل وعالم التعليل وعالم التنزيل، فالخلل إما أن يدخل على مستوى الجواب على سؤال ماذا قال ؟ أي في فهم النصوص وتفسيرها ودلالات الألفاظ والجمع بينها وهو مستوى التأويل والتعويل فيه على اللغة وما تتيحه إمكانيات البيان العربي من الاجتهاد في الوصل بين الوضع والاستعمال والحمل، وإما أن يدخل على مستوى الجواب على سؤال لماذا؟ أي في فهم المعاني المنبثقة عن الألفاظ ومرامي النص ومرامزه ومعقوله وهو مستوى التعليل والتعويل فيه على العلل الجزئية والمقاصد الكلية ومدار الاجتهاد فيه على معتبرات المصالح ومناسبة العقول، وإما أن يدخل على مستوى الجواب على سؤال كيف؟ أي في تطبيق النصوص على الوقائع المشخصة بحيث تتنزل الأحكام في بيئاتها تنزلا يحقق المقاصد وهذا هو مستوى التنزيل والتعويل فيه على الفقه بالواقع، ومقتضيات الزمان والمكان وضرورات الإنسان.
….
ما هو دور القراءات المقاصدية الجديدة حيال مقولات الشريعة والدولة والخلافة كما تطرحها جماعات الإسلام السياسي؟
القراءات المقاصدية المنضبطة بأوعية الاستنباط المقررة في أصول الفقه من حيث هي كما قلنا إحدى المنظومات الثلاث للمنهجية السليمة قادرة على ارتياد آفاق جديدة لمعالجة هذه الإشكاليات.
وبناء على هذه المنهجية التي يجب أن تطلق من عقالها وتسرح في مجالها، فإنّ كثيراً من القضايا ستراجع على ضوء نارها، لا سيما هذه المسائل التي ذكرتم والتي تعرف لدى العلماء قديما باسم المسائل السلطانية. فهي تحتاج إلى بيان وتفتقر إلى برهان، وهذا ما قمنا به في منتدى تعزيز السلم وفي المركز العالمي للتجديد والترشيد من خلال ورشات تحقيق المناط، وقد بينتُ أسس المنهجية ومحاور تطبيقاتها المختلفة في كتابي “تنبيه المراجع على تأصيل فقه الواقع”.
فضلا عن الخلل الذي دخل على أرباب الثقافة المأزومة من المتطرفين من حيث الاجتزاء والانحباس في النظر الجزئي، يمكن أن نقول إن أكثر ما غاب عنهم هو اعتبار المتغيرات الزمانية والمكانية، فالتطور الزماني والواقع الإنساني يقترحان صورا مغايرة للصور التي نزلت فيها الأحكام الجزئية.
واقعنا اليوم يفرض قراءة جديدة في ضوء الشرع للتذكير بالكليات التي مثلت لبنات الاستنباط، من خلال ما يمكن أن نسميه بكلي الزمان أو العصر أو الواقع سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وعلميا وتكنولوجيا؛ فهو واقع فيه اليوم معاهدات دولية، وحدود، وأسلحة دمار شامل، وتعددية دينية وثقافية وإثنية داخل البلاد الإسلامية وخارجها، وتغيرت فيها الولاءات القبلية والدينية إلى أخرى تعاقدية، وصارت السيادة في الواقع الدولي للاعتماد المتبادل بين الدول، والمعاهدات والمواثيق الدولية شبه حاكمة، وأصبحت العولمة سيدة العالم وليست حالة عابرة بل هي حضور الآخر حضورا اختياريا في ظاهره لكنه في عمقه إجباري. إنه واقع يؤثر في النظم والقوانين ومدى ملاءمتها للنصوص الشرعية مجردة عن مقاصد التعليل وقواعد التنزيل.وإجمالا يجب أن نؤكد على مبدأ شرعي كلي وهو أن أحكام السياسة في الإسلام مدارها على المصالح المعتبرة، ولم يحجر ديننا علينا في صور وأنماط الحكم بما تتوصل إليه البشرية من صيغ ترشحها السياقات الزمانية والمكانية لكل بلد، وأن سلف الأمة من الصحابة والأئمة أدركوا السعة الاجتهادية التي أتاحتها الشريعة، وتعاملوا معها بما اقتضته ظروفهم في عصرهم.
….
المسلم يمكن أن ينهزم لوجه الله تقليلا للمفاسد وتكثيرا للمصالح
بين مشروعية الدولة القومية كما في سياقها الغربي، وبين مشروعية الدين في السياق العربي ثمة نزاع وتوتر في واقع المجتمعات العربية أين الخلل؟
الخلل في غيبة النخبة المثقفة القادرة على استيعاب التاريخ ومتغيرات الواقع -التي أشرنا إلى بعضها آنفا- والموافقة بينها.
إن الخلل الواقع اليوم هو في التصور وفي جهل أو تجاهل متغيرات الواقع وإكراهاته فجل ما كتب عن الدولة من أطاريح نحت منحى التأصيل لصورة تاريخية للدولة ومؤسساتها ووظائفها في التراث الإسلامي أو تفصيل تصورات نظرية لدولة منشودة بمعزل عن الواقع.
فلا بد من إيجاد نخبة مثقفة قادرة على استيعاب التاريخ ومتغيرات الواقع -التي أشرنا إلى بعضها آنفا- والموافقة بينها بحيث تتجاوز الحلول الحادة والرؤى الأحادية والقطائع المعرفية السائدة في المجال التداولي العربي وتستعيض عنها بحلول مبدعة توافقية تحافظ على الصّلات النافعة وتروم وضع تصوّر مؤصّل للمواطنة في الدولة الوطنية الحديثة، تصوّر يوافق التراث الإسلامي (صحيفة المدينة المنورة) ويتوافق مع السياق الحضاري المعاصر (إعلان حقوق الإنسان والدساتير الوطنية والمواثيق الدولية) وعلى منهج العلماء كالماوردي وأبي المعالي الجويني وابن أبي يعلى بن الفراء وابن خلدون ممن نظروا للدول طبقا للضرورات الزمانية في عصرهم.
….
أصبح للتعصب والشحن الطائفي ممارسات عمومية مع نشاط وسائل التواصل الاجتماعي ما الجديد في هذه الظاهرة؟
إن الطّائفة التي هي ترجمة عن المذهب كانت دائما موجودة فهي أمر طبعي، تعيش معه الأمم بل قد يكون أحيانا مصدرا للثراء وسببا للتنافس الشريف ولتعدد وتنوع الآراء المقبول، لكن عندما تتحول المذهبية إلى بغي وإقصاء وإفناء للآخر فإنها حينئذ تكون غير محمودة وقد تكون مشمولة بقوله تعالى (فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم)، الاختلاف إذا أدى إلى البغي يكون مذموما، والبغي في حقيقته هو الاستطالة على الآخر وإنكار حقوقه بسبب الكبر الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه “بطر الحق وغمط الناس”، أي جحد الحق واحتقار الناس.
فالطائفية المقيتة ناشئة عن البغي وعن الكبر وعن الأمل الزائف بالانتصار الحاسم والنهائي على الخصم والذي يغذيه ما يصفه البعض بالوعد الإلهي، والحقيقة أن هذه الأوهام وسيطرة عقلية الغلبة وتنازع البقاء لن تؤدي إلا إلى زيادة الاحتراب الداخلي في شكله الذي نراه الآن من فتنة طائفية، تصطدم بموقف الإسلام الواضح (لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم أعناق بعض).
فلا بد لمن يعالج الوضع بالعودة إلى العقل وتحكيمه وتنمية أخلاق التواضع لنتعايش فلا يهلك الجميع وتضيع الأرض والعرض.
….
ظاهرة التطرف الديني وانعكاساتها العنيفة في نشاط الجماعات الإرهابية كداعش وأخواتها هل هي جزء من قابلية ذهنية مجتمعاتنا لتفجير العنف أم هي من صيرورات عنف العالم الحديث؟
ترجع إلى الإثنين معا، فمن جهة أولى وكما بيّنا في الأجوبة السابقة التطرف والعنف ناتجان عن أخلال منهجية في تعامل المسلمين مع تراثهم وفي فهمهم لواقعهم فتشكلت بفعل هذه الأخلال ثقافة مأزومة تضيق بالاختلاف وتجنح إلى التكفير والتفجير.
ومن جهة أخرى التطرف العنيف من إفرازات اللقاء غير السعيد بين الحداثة الغربية والمجتمعات المسلمة وما استتبعه ذلك من مظلوميات تاريخية كالاستعمار والنكبة الفلسطينية والعلاقات المختلة بين الشرق والغرب، كما ينعكس البعد الحداثي للعنف الإرهابي في المواقف الإيديولوجية والمفاهيم الموظفة التي وإن ألبست لبوس التقوى وصبغت بصبغة المفاهيم الأصيلة فإنها في صميمها تظل مفاهيم ومواقف حداثية أكثر منها إسلامية.
….
أحكام السياسة في الإسلام مدارها على المصالح المعتبرة
تحويلات مفاهيم الإسلام وأدلجتها عبر أجندة الإسلام السياسي هي التي ساهمت في تفجير مجتمعات المسلمين بالعنف السياسي، بحسب رضوان السيد، كيف يمكن الخروج من تداعيات مأزق الاسلام السياسي؟
دعني أوضح أولا أن مفهوم الإسلام السياسي مفهوم غائم غير واضح الدلالة فإن كان المقصود تصور خروج السياسة عن مجال الدين وإنشاء فصل بين الدائرتين فالأمر غير مستقيم إذ الإسلام يقدم نفسه منظومة متكاملة للوجود بكل مناحيه ومستوياته ومجالاته والسياسة هي من صميم الدين أما إن كان المقصود هو نقد القراءات الاختزالية للدين التي تفسر نصوصه انطلاقا من مركزية السياسي بحيث تصبح العقيدة والعبادات والمعاملات والأخلاق كلها لواحق لمقاصد سياسية فهو مذموم وقد يكون بهذا الاعتبار لمصطلح “الإسلام السياسي” مسؤوليته في مأزق الأمة الذي لا يمكن رجعه إلى عنصر واحد فهو مركب معقّد.
….
معادلة الإعلام عربيا، لا تعكس هوية الرسالة المفترضة لسوية الإعلام هل ثمة حدود ممكنة للنسبة والتناسب في هذه المعادلة؟
الإعلام عليه أن يكون صادقا والصدق لا يعني التجريح عليه أن ينير الرأي والإنارة لا تعني الإثارة وينور الفكر والتنوير لا يعني التثوير ينبه على الخطأ ويرشد على الصواب يبث الطمأنينة في النفوس ويقدم جرعة من التفاؤل للقلوب.
الإعلام هو الداء وهو الدواء فلا سبيل إلى مواجهة إعلام العنف والشغب وسفاسف الأمور إلا بإنشاء إعلام بديل ينافس في الميدان فالبضاعة الجيدة تطرد البضاعة الرديئة من السوق فالمجال الإعلامي في أمس الحاجة إلى منابر للحكمة وخطاب العقل تنافس إعلام العبثية الذي يحش الحروب والفتن.