الاستخلاف هو استنابة الإنسان غيره لإتمام عمله، فهو إذن يحمل معنى التوكيل، وقد عنونت المقال بالاستخلاف في الصلاة، لأنه يكون في الصلاة وفي غير الصلاة مثل القضاء وفي الإمامة العظمى.
- والاستخلاف في الصلاة واهتمام الشرع به دليل على عظم حرمة الصلاة وصلاة الجماعة؛ حيث إن الشرع أعطاها أهمية حتى في حال وجود الأعذار، فلا يجوز أن تتحول تلك العبادة التي أحيطت في البداية بهالة من القدسية والجدية، إلى ضرب من العبثية والفوضى.
- لماذا؟ لأن ديننا يأمرنا بالمحافظة على الأمانة، وهل هناك أمانة أكبر من أن يضع شعب بأكمله ثقته في رجل، فيجعله إماماً لهم في الصلاة، أو قاضياً لهم يحكم بينهم، أو خليفة عليهم يتولى أمور المسلمين.
- هذه الأمانة وهذه الثقة تقتضي من المستخلف (بكسر اللام) أن يكون مؤتمناً على العمل الذي أنيطت به إدارته، وعلى المستخلف (بفتح اللام) أن يكون على قدر المسؤولية لأنه يتحمل وزر من استخلف فيهم.
- من أجل ذلك فإن جمهور الفقهاء قالوا بجواز الاستخلاف، إذا وجد عذر لا تبطل به صلاة المأمومين، أما المالكية فقالوا بأن الاستخلاف مندوب للإمام إذا حدث له حدث ولم يستطع أن يتم الصلاة، وواجب على المأمومين في صلاة الجمعة، لأن الجمعة يجب أن تؤدى جماعة.
- وإذا علمنا أن الاستخلاف مشروع، ولا فرق بين أن يكون جائزاً، أو أن يكون مندوباً أو واجباً، لكن المهم أن تتوافر فيه الشروط التي أوردها الفقهاء في كتبهم.
- فالحنفية اشترطوا ما يقارب من 14 شرطاً ومن أهمها:
1- أن يكون سبب الاستخلاف حدثاً طارئاً، أما لو كان نجاسة فلا استخلاف، 2- أن يكون مما ليس للعبد في اختيار، 3- أن يكون الحدث نابعاً من بدنه، أما لو وقعت عليه نجاسة من الخارج فلا استخلاف، 4- ألا يكون مما يوجب الغسل، 5- ألا يتذكر فائتة من ذوات الترتيب كأن يتذكر أنه ما صلى الظهر وهو في صلاة المغرب، 6- أن يستخلف من يصلح للإمامة.
- والمالكية أوجزوا شروط الاستخلاف في ثلاثة أمور هي: 1- إذا خشي تلف نفس محترمة أو تلف مال، 2- إذا طرأ على باله ما يمنعه من إقامة الصلاة كعجزه عن الركوع وهو ركن، لا عجزه عن قراءة السور وهي سنة، 3- أن يطرأ عليه حدث أو رعاف كما ذكره الفقهاء، وعندئذ عليه أن ينوى المأمومية.
- والشافعية ذكروا في شروط الاستخلاف: 1- أن يتم الاستخلاف قبل أن يأتي المأمومون بركن، 2- أن يستخلف من هو صالح للاستخلاف، 3- أن يكون المستخلف (بفتح اللام) موجوداً ومقتدياً بالإمام قبل الحدث.
- وأما الحنابلة فقالوا: للإمام أن يستخلف في حالات مثل: إذا قاء أو رعف أو تذكر نجاسة أو جنابة لم يغتسل منها، أو تنجس في أثناء الصلاة، أو عجز عن إتمام الفاتحة أو الركوع أو السجود.
- وعند الجعفرية الاستخلاف مشروع أيضاً، وقد ذكر الحلّي في شرائع الإسلام أنه إذا مات الإمام أو أغمي عليه استنيب من يتم بهم الصلاة، وكذا إذا عرضت للإمام ضرورة جاز له أن يستنيب، واختلف الجعفرية عن المذاهب الفقهية الأربعة لدى السنة أنهم يجيزون للإمام الاستنابة عمداً واختياراً..
- إذن الاستخلاف مشروع في الصلوات الخمس وفي الجمعة وفي العيدين وفي صلاة الجنائز وفي الإمامة العظمى وفي القضاء، لكن بالشروط التي ذكرها الفقهاء.